
قبلة العشّاق نابل.. سحرها من سحر بابل
بقلم: المعز غني
نابل … يا زهرة المتوسط ، ويا درّة الوطن القبلي، لك في القلب مقام وفي الوجدان جذور تضرب في عمق التاريخ ، أنتِ لستِ مجرّد مدينة ساحلية بل ملهمة الشعراء ، وعشق العشّاق ومرآة الحضارات.
من قال أن السحر فقط في الأساطير؟
من وطئت قدماه تراب نابل، أيقن أن للسحر عنوانًا ملموسًا، أنيقًا وناعمًا كنسيم البحر عند الغروب..
أنتِ يا نابل ، من سحر بابل ورثتِ الجاذبية ومن ضوء المتوسط أخذتِ الصفاء.
تقع نابل على الطرف الشمالي الشرقي من تونس ، وتعرف بـ” كاب بون” أو عاصمة الوطن القبلي..
لكن أهلها لا ينادونها بالأسماء الجغرافية الباردة ، بل يقولون عنها: “نابل الحبيبة ، نابل القلب ، نابل الدفء”، لأنها أكثر من خريطة، إنها ذاكرة، وتاريخ، وروح حيّة لا تموت.
في نابل، يلتقي البحر بالتاريخ ، شواطئها تمتد كقصائد حبٍ لا تنتهي ، تهمس للعابرين: ” هنا الحياة أكثر جمالًا “، ومدنها العتيقة تحكي بأسوارها وأزقتها حكايا من الفينيقيين إلى الرومان ، ومن الأندلسيين إلى الحرفيين المعاصرين.
أما سوق الصناعة التقليدية في قلب المدينة فهو متحف حي تنبعث منه روائح الفخار ، والخزف ، والحنين.
إنها مدينة تتنفس فنًّا، هنا تتدلّى أواني الطين الملوّن كالعناقيد على الجدران وهناك ، ترتفع مآذن المساجد على إيقاع الأذان بينما تعانقها النخيل من كل صوب.
نابل لا تغفو أبدًا ، أسواقها تضجّ بالحياة وأهلها طيبون كنسمة صيفٍ تمسّ جبين المتعب.
ولك أن تتخيّل حين يكتب التاريخ بنفسه: منذ القرن الخامس قبل الميلاد سكنها البشر ومرّت بها حضارات شتّى: فينيقيون، رومان، عرب، يهود، وإندفعت بها الحضارة كالموج..
كل حضارة تركت بصمتها ، لكن نابل لم تفقد هويتها بل زادت بهاءً وبهجة.
وكانت في يوم من الأيام ، ميناءً هامًا، تصدّر الحرف والمهارة وتستقبل الغريب بالترحاب ، وتودّعه بالأثر الجميل.
واليوم ، لا تزال وفية لذاك الإرث ، فالضيوف في نابل ليسوا غرباء بل أهلًا وخلّانًا يحلّون أهلاً وينزلون سهلاً.
يا زائر نابل ، أستعد ّ لدهشةٍ لا تنتهي،
في شواطئها الخلابة يمكنك أن تسبح في الزرقة الصافية أو تسترخي تحت أشعة الشمس الذهبية ، وفي فنادقها ومنتجعاتها تجد الراحة والجودة والدفء.
أما محبّو المغامرة فلهم رياضات بحرية شتّى ، كركوب الأمواج شراعيًا وغيرها من النشاطات الممتعة.
ومن لا يبحث فقط عن البحر ، بل عن الروح فليدخل ” المدينة العتيقة ” وليتنقّل بين جدرانها البيضاء ، وليلقِ التحية على “الجامع الكبير”، شاهق في حضوره ، شامخ في رمزيته وليتوقّف عند آثار ” نيابوليس” حيث تتفتّح صفحات التاريخ الروماني وتُروى بلا كلام.
نابل ليست فقط مكانًا للسياحة ، بل مكانًا للسكون فهي فسحة للتأمل وللعشق، وللصفاء، فهي تجمع بين أصالة الماضي وأناقة الحاضر ، وبين دفء الناس وبراءة الطبيعة.
وكما قال صديقي الشاعر لطفي عبد الواحد ، إبن مدينة دار شعبان الفهري: ” قبلة العشاق نابل سحرها من سحر بابل “.
حقًّا هو وصف لا يُجامل ولا يُبالغ ، فمن عاش في نابل فهم المقصود ، ومن زارها، أدرك السبب ، ومن غادرها حملها في قلبه أينما حلّ وأرتحل.
فأهلاً وسهلاً بكم في نابل …
حللتم أهلاً، ونزلتم سهلاً،
وبوركت خطواتكم حيث تلامس الأرض الطيّبة ، أرضٌ لا تُنسى … وسحرٌ لا ينقضي.