مقال

جودك يتواضع له الجود يا أماه

جريدة الأضواء المصرية

جودك يتواضع له الجود يا أماه

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ” لما كان يوم أحد إنهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وأنهما المشمرتان أرى خدم سوقهما تنقران القرب تنقلان القرب مع إسراع الخطى وكأنهما تثبان على متونهما على ظهورها تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم” رواه البخاري ومسلم، ولكن من هم في مثل سنها ومكانتها يخشين على أنفسهن الغبار وهي لاتبالي بروحها طالما كان ذلك في سبيل الله تعالي وتقف موقفا قصرت عنه شجاعة وهمة أفذاذ الرجال، وقد أخرج إبن سعد من طريق أم درة قالت. 

” أتيت عائشة بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة فقلت لها أما إستطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه فقالت لو كنت أذكرتيني لفعلت” وعن هشام بن عروة قال سمعت ابن الزبير يقول ” ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء حتى إذا إجتمع عندها وضعته مواضعه” فجودك يتواضع له الجود ياأماه، يأتينا المال فأول ما نفكر فيه ما يكون لأنفسنا وآخر ما نفكر في ما يكون لله، وأنتي ما تفكرين في نفسك أصلا، فأي كرم هذا الذي ملأ عليكي فكرك فأنساكي نفسك، فنحن نجمع وندخر لنكنز وأنت تجمعين وتدخرين لتنفقين، ولقد أبرزت لنا هدفا من أهداف الإدخار ما رأيناه بل ولا سمعنا عنه قبل ذلك، ونفس تطيب بذلك وتجود به أليست نفسا عظيمة؟ ولم يكن ذلك فحسب بل كانت فرحتها بالمال. 

في يد غيرها أعظم من فرحتها به في يدها، فما ضاقت ذرعا يوما بسائل، بل كانت تتهلل لرؤياه وتطيب الصدقة وتقول “إنها تقع في يد الله” وتعطي السائل ولربما كانت أحوج منه لما أعطته إياه، فهنيئا لكي يا أماه علي ثناء الله وبشارته حيث قال تعالي ” ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصه ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ” وليس هذا في المال فحسب بل بذلت من مالها ووقتها وجهدها وجاهها وكل ماتملك في سبيل الله عز وجل، ولم تبخل منه بشيء، وكما روي عبد الله بن أبي موسى قال “أرسلني مدرك لعائشة رضي الله عنها لأسألها، فجئت وهي تصلي فقلت أقعد حتى تفرغ، ثم قلت هيهات أي متى ستفرغ من صلاتها، أي من شدة طولها، وكانت رضي الله عنها ربما تقرأ الآية فتكررها، كما أثر عنها أنها كانت تقرأ قول الله عز وجل في صلاتها. 

” فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم ” فتكررها وتبكي وتقول “اللهم منّ عليّ وقني عذاب السموم” فلم تكن فقط عالمة زاهدة بل كانت أيضا قانتة عابدة، فلم تكن يوما كأولئك المعممين كمثل الحمار يحمل أسفارا بل كانت عاملة بعلمها خاشعة لربها أسرع الناس إلى إمتثال ما دعت إليه من أمور دينها، فهي امرأة إجتمعت فيها المكرمات والفضائل ففضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام حقا، فكانت رضي الله عنها في قمة الطهر والحياء والعفاف رحمها الله تعالي رغم أنوف الرافضة المفترينن فكانت تدخل حجرتها بعد دفن النبي صلي الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، فربما تخففت من ثيابها فلما دفن معهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما كانت تمكث في حجرتها إلا وهي تشد عليها ثيابها كاملة كما لو كان عمر رضي الله عنه حيا، وكانت ترفع النقاب في الحج. 

فكلما قاربت الرجال أنزلته على وجهها، ودخلت عليها بنت أخ لها في ثياب رقاق فأنكرت عليها وأبدلتها غيرها، فكانت رضي الله عنها امرأة تستحيي من رجل ميت، فإذا كان امرأة هذا طهرها وحياؤها وذاك نقاؤها وعفافها فهل تُتهم في عرضها ومن من ممن يستبيحون الأعراض بإسم الدين، ويدنسون الطهر بما هم عليه من التز

وير والفجر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى