
السابقون في دخول الجنان في الآخرة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلا، وسهل لهم طرقها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم ثم أما بعد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد ” رواه أحمد، وإن أول أهوال المطلع هي أهوال القبر، نجانا الله تعالى من فتنته، ووقانا ومن نحب عذابه، ولقد مثل النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم فتنة القبر بفتنة الدجال، وهي أعظم فتنة بين خلق آدم وقيام الساعة، ففي حديث الكسوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
” فأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا وشك الراوي من فتنة المسيح الدجال ” رواه البخاري، وهذا يدل على إهتمامه صلى الله عليه وسلم بعذاب القبر لعلمه بما يجري في القبور، ألا فاتقوا الله تعالي وكونوا مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، وتجنبوا الكسل والفتور، والمقاصد السيئة، والنوايا الباطلة فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وقد قال ربكم جل وعلا ” فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ” وقال الإمام ابن القيم رحمه الله ” ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره، ومن صدق الله في جميع أموره، صنع الله له فوق ما يصنع لغيره” وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه ” رواه مسلم.
فهذا شعبان موسم من مواسم الإستعداد لرمضان، فالله الله في تقديم كل خير، والله الله بالمساهمة في كل بر، والعزيمة العزيمة والمبادرة المبادرة لكل غنيمة، فالبدار البدار، والمسارعة المسارعة، فإن السابقين إلى الخير والطاعة في الدنيا، هم السابقون في دخول الجنان في الآخرة، وكلما غفل الناس عن الطاعة وتركوها وزهدوا فيها، كان ذلك أدعى للمسلم المريد وجه ربه لأن يحرص عليها، ويحتسب الأجر في إقامتها، واعلموا يرحمكم الله بأن معالجة النفس ومجاهدتها من أعظم أنواع الجهاد لأنه جهاد يستغرق العمر كله، وإذا طال الأمد ضعفت النفس فإحتاجت إلى مجاهدة أكثر، فيقول سفيان الثوري رحمه الله ” ما عالجت شيئا أشد عليّ من نفسي، مرة لي، ومرة عليّ ” وكان عمر رضي الله عنه يخاطب نفسه، ويقهرها حتى لا تجمح به فتخرجه عن الجادة.
دخل حائطًا فبدأ يخاطب نفسه ويحاسبها، قال أنس رضي الله عنه فسمعته يقول “عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ، والله يا بن الخطاب، لتتقينّ الله أو ليعذبنك” فإن الإنسان قد يجاهد غيره، لكنه قد ينسى نفسه التي تحتاج إلى جهاده، فيذرها تركب هواها، وتنال مطلوبها، ولا يحسب أنها تحتاج إلى مجاهدة، ويرى أنه على أحسن حال، أو على الأقل ليس أسوأ الناس، وهذا يقعده عن المجاهدة، فيسير في الردى، ويوشك أن يهلك وفي هذا المعنى قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ” أول ما تنكرون من جهادكم أنفسكم” ولما سأل رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن الجهاد، قال رضي الله عنه ” ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها”