سؤالٌ يُطرح كثيرًا لكن قلّة من عاشوا حقًا ليُجيبوا عنه.
وها أنا ، بين منعطفات الطريق وتقلّبات الزمن ، أكتب ما تعلّمته، لا من الكتب بل من التجربة … من السقوط والنهوض ، من العزلة والحنين ، من العطاء والخسارة.
علّمتني الحياة أن لا أتعلّق بشيءٍ أكثر من اللازم.
فالذين تعلّقنا بهم بشدة ، هم أول من رحلوا بصمت.
والأماكن التي سكناها بقلوبنا ، هُدمت في لحظة بلا وداع.
علّمتني الحياة …
أن الحب لا يُصرَّح به دائمًا ، فأجمل المشاعر تلك التي لا تُقال ، بل تُفهم وأن الحب الصادق لا يحتاج إلى صخب ، بل إلى قلبٍ نقي وصمتٍ عميق ، لأن بعض القلوب تُفهم فقط من عيونها.
تعلمت أن الكلام عن الآخرين لا يُنقص منهم ، بل يُنقصنا ، وأن الحديث عن القلوب أمرٌ معقّد ، فربّما في صدر من نراه قاسيًا حنينٌ لم يُشفَ ، وربّما في قلب من نُسيء فهمه حبٌ لم يتكلم.
علّمتني الحياة …
أن الصبر ليس ضعفًا، بل قوّةٌ مكتومة ، لا يعرفها إلا من ذاق مرارة الإنتظار وأن العطاء الحقيقي لا ينتظر مقابلاً ، لأن ما يُعطى من القلب … يعود إلى القلب، ولو بعد حين.
أدركت أن الوحدة ليست دائمًا قسوة بل هي أحيانًا لحظة صدقٍ مع الذات ، هدوءٌ لا يُشترى ، وإستراحة محارب تعب من الضجيج ، وأشتاق لسماع صوته الداخلي.
علّمتني الحياة …
أن أجمل العلاقات تلك التي لا تُكسرها المسافات ، ولا تُطفئها الأيام ، تلك التي تبقى صادقة وإن تغيّر الزمان ، وتظل في القلب مهما إنقطعت الرسائل وتبدّلت الأصوات.
ومع كل هذا …
علّمتني الحياة أيضًا أنني ما زلت أتعلم ،وأنني لست ذلك الذي كنته البارحة ، ولا أعرف من سأكون غدًا.
فالإنسان كالماء ، يتغيّر ، يتشكّل ، ينكسر ويجري …
لكنه لا يتوقّف.
وها أنا ، أمضي في هذه الحياة كمسافر في مطار ، أحمل حقيبة من الذكريات ، وجواز سفر مختوم بتجارب لا تُحصى ، أودّع أرصفة ، وأستقبل طرقًا جديدة ، لكنني أحاول أن أمشي خفيفًا.