مقال

عندما تصبح الحياة مشروطة: وَهم النجاح في زمن السوشيال ميديا

جريدة الأضواء المصرية

عندما تصبح الحياة مشروطة:
وَهم النجاح في زمن السوشيال ميديا

في زمنٍ لم تعد فيه الحياة تُعاش كما هي، بل تُعرض كما يجب أن تكون، بتنا نرى أنفسنا يُعاد تشكيلنا بصمتٍ على يد خوارزميات لا تعرف شيئًا عن قلوبنا، ولا عن نوايانا. صرنا نلهث خلف الصورة المثالية، تلك التي حددتها لنا “السوشيال ميديا”، لا خلف الحياة الفعلية التي نحياها ونتألم فيها وننمو ببطء وصدق.

لقد أصبح كل شيء مشروطًا. النجاح لم يعد في الاجتهاد، أو في صبر السنوات، بل في مقطع مُمنتج بعناية على إيقاع أغنية لـ Sia، وفي ماركة نظارات مشهورة، أو حقيبة يد تُحمل بطريقة توحي بأن صاحبها يعرف تمامًا ماذا يفعل. الفقير الذي يعمل بصمت ويجمع أجره آخر الشهر، لم يعد ناجحًا في أعين هذا العالم الرقمي، لأنه لا يُوثّق يومياته بفلتر، ولا يُظهر اسمه بجانب اسم ماركة عالمية.

هذا التكلف، هذا الإنهاك في تمثيل “حياة أنيقة”، جعل كثيرين يبتعدون عن مشاعرهم الطبيعية. الحزن أصبح محرجًا، الفشل غير مقبول، والبساطة توصف بأنها “عدم تطور”. صار علينا أن نكون سعداء طوال الوقت، مبتسمين، متفائلين، نأكل في المطاعم اللامعة، نقرأ في المقاهي، ننجز أعمالنا على شواطئ الجزر. وإن لم نفعل، شعرنا بأننا متأخرون، بأننا لا نواكب الحياة، بينما الحقيقة أن الحياة ليست هناك، بل هنا… حيث الدفء، والبساطة، والصدق.

النجاح لم يكن يومًا شيئًا يُقاس بعدد الإعجابات أو المتابعين. النجاح الحقيقي هو أن تبني نفسك من الداخل، أن تحب ذاتك وأنت ترتدي قميصًا عادياً لا يحمل شعاراً، أن تبكي في ليلك دون أن تخشى نظرة الجمهور، أن تنهض من فشلك دون أن تعلن عن ذلك.

لقد قيدتنا السوشيال ميديا بمعايير غريبة، حتى أصبح من لا يعيش ضمن هذه القواعد يشعر بالذنب. لكن لعل الشجاعة اليوم ليست في أن تواكب، بل في أن تختار العيش خارج هذا السباق. أن تعيش طبيعيًا. أن تحب الحياة كما هي، لا كما تُعرض.

-قطرالندى الخزعلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى