
كم من واقف على شفير قبر يتأمل الميت
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لااله الا هو و اليه المصير، الحمد لله الذي يقول للشئ كن فيكون وبرحمته نجى موسى وقومه من فرعون، الحمد لله الذي كان نعم المجيب لنوح لما دعاه وبرحمته كشف الضر عن يونس اذ ناداه وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله و سلم وبارك عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلى الله و سلم وبارك عليه ما تعاقب الليل والنهار، ونسال الله تعالى أن يجعلنا من امته وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته ثم أما بعد اتقوا الله عباد الله كم من واقف على شفير قبر يتأمل الميت وهو مسجى، ويتساءل أهو فرح بمصيره أم حزين؟ ما مصيره؟ ماذا يتمنى وماذا يريد؟ فلا يقطع تفكيره إلا صوت يقول سلوا له الثبات، فتتحرك الألسن بالدعاء.
ومن كان المقبور عزيزا عليه، قريبا منه مكث عند قبره مليا يلهج بالدعاء له حتى يشبع نهمته فيفارقه، فلا يجف قبر الميت من مائه وحوله أحد، قد تفرق الجمع، وولى عنه أحب الناس إليه، فيقابل مصيره وحده، ويتحمل تبعة عمله فإن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فاللهم أيقظ قلوبنا من الغفلة، وأزل عنها السكرة ووفقنا للعمل الذي يجعل قبورنا روضة، واعلموا أيها الأخوة الكرام بأن شهر شعبان شهر يغفل الناس فيه لأنه يقع بين شهر رجب الحرام ورمضان المبارك، فرجب شهر حرام كانت تعظمه العرب قبل الإسلام، وجاء الإسلام فأكد هذا، ولذلك يهتم الناس به، ورمضان هو شهر الصيام وشهر القرآن وحال الناس في العبادة والطاعة والإقبال فيه مشهور ومعلوم، فربما يغفل الناس عن شعبان، فأحب رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يكون هو في عبادة لله وقت غفلة الناس.
لأن للعبادة وقت الغفلة منافع كثيرة، وفضائل عظيمة، فمن ذلك هو الإنفراد بعبادة الله عز وجل فيصوم المرء حين يفطر الناس، ويقوم حين ينام الناس، ويذكر حين يغفل الناس، ويتقدم حين يحجم الناس، ويتصدق حين يبخل الناس، فإن العبادة عند إنتشار الغفلة لها أثر كبير على النفس، وأجر عظيم يناله العبد، ومحبة خاصة عند الرب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على مثل هذه الخلوات، والعبادات كما جاء في حديث عمرو بن عبسة قال عليه الصلاة والسلام ” أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ” وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ” ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ” متفق عليه.
وأن العبادة في شهر شعبان أقرب للإخلاص لإنشغال الناس عن رؤية عمله بما هم فيه من الغفلة، وهذا يكون أقرب للإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأدعى للقبول، فإن الله تعالي لا يقبل من العلم إلا ما كان صالحا ولوجهه خالصا، وأنها أعظم أجرا ذلك لقلة المعين ومن يتأسى به، وهذا أشق على النفس، والأجر على قدر المشقة، وقد جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ” العبادة في الهرج كهجرة إلي” وكلما غفل الناس عن الطاعة، كلما كان عظم أجر العامل بها، وأنه يدفع به البلاء فيرفع الله بالذاكرين العابدين البلاء عن الغافلين العاصين، فذكر الله عند الغفلة ملاذ من الفتن، ومخرج من البلايا والمحن، ونجاة من العقوبات، وقال بعض السلف ” لولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس”
وقد روى البزار بسند ضعيف عن أبي هريرة يرفعه “مهلا عن الله مهلا فلولا عباد ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع، لصب عليكم العذاب صبا”