
بادروا بالأعمال سبعا
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، ثم أما بعد هذا توجيه نبوي كريم منه صلوات الله وسلامه عليه المؤمن مطالب بأن يسارع في الخير ويعمل الصالح وليس مطالب بأن ينهي نفسه ويقتلها ويظن أن وراء ذلك الجنة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بادروا بالأعمال سبعا فهل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب يُنتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر” فقوله صلى الله عليه وسلم “بادروا بالأعمال”
أي سارعوا في الأعمال الصالحة قبل أن يمنعكم عنها مانع ثم ذكر عليه الصلاة والسلام جملة من الموانع فالفقر ينسي لأن الإنسان إذا كان فقيرا إنشغل بقوته ورزقه ودفع دينه ومنعه ذلك من أن يعبد الله تعالي على الوجه الأكمل والنحو الأتم بالغالب، وإذا كان غنيا طغى عليه غناه فإنشغل بعقاراته و تجارته وأسهمه وأرباحه وشغله ذلك عن طاعة الرب تبارك وتعالى على الوجه الأكمل والنحو الأتم، وإن كان مريضا عجز عن الحج والعمرة والصيام وأمثال ذلك من الطاعات لمرضه، وإن كان هرما دخل في الخرف فلا يدري الليل من النهار فكيف سيصلي ويصوم، وإن كان الموت فهو مجهز قاض عليه و به تطوى صحائف الأعمال إلا ما استثناه الشارع منه، والدجال لا فتنة أعظم منه والساعة نهاية الأمر وقيام الحساب.
وكل ذلك لا عمل فيه، فهذا جزء من التوجيه النبوي الكريم بالمسارعة للخيرات وقد نقل الأخيار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه أنه لما حضرته الوفاة بكى فقيل له ” ما يبكيك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فقال ” أبكي على ظمأ الهواجر، أي أبكي على أنني لن أستطيع أن أصوم بعد اليوم، أبكي على قيام ليل الشتاء لأنني بعد موتي لا أستطيع أن أقوم بعد اليوم، أبكي على مزاحمة العلماء بالركب لأن حضور مجالس العلماء وحضور مجالس تدارس القرآن كل ذلك مما تغشى بها السكينة وتنزل به الملائكة ويعظم به الأجر” فلم يتأسف معاذ رضي الله عنه على دينار ولا درهم ولا على زوجة ولا على ولد ولكن تأسف على ما سيفوته من عمل الصالح رغم أنه رضي الله عنه وأرضاه من أعظم الصحابة قدرا وأجلهم مكانة وأكثرهم علما رضي الله عنه وعن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين.
وإن الذي يفرط في هذا النعيم المقيم، لهو المغبون مهما كان الثمن فما بالك والثمن ليس فيه عنت ولا مشقة؟ فهذه الجنة وهذا نعيمها من الداخل، أما من الخارج فإن لها ثمانية أبواب، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها باب اسمه الريان لا يدخله إلا الصائمون فأبشروا أيها الصائمون والصائمات، وأول من يستفتح باب الجنة هو نبينا المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتحه، فيقول الخازن من أنت؟ فأقول محمد، فيقول بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك” أما الزمرة الأولى الذين يدخلون الجنة فقد وصفهم لك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كأنك تراهم، فقال في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه
“إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء”