في فجر الجمعة، أهتزّ ليل المنطقة على وقع الضربة الإيرانية المفاجئة ضد الكيان الصهيوني … أخبار عاجلة تتلاحق ، عناوين حمراء تصرخ ، ومنصاتٌ تضجُّ بصور الدمار والدخان ، وكأنّنا نعيش على بعد شبر من يوم القيامة.
لكن وسط هذا الضجيج ، تهمس في داخلي فكرة لا تموت :هل حقًا نحن أمام مواجهة حقيقية؟ أم أنّنا شهود على فصل جديد من مسرحية مُتقنة الإخراج؟ لا أزعم إمتلاك الحقيقة المطلقة ، ولكن هناك تفاصيل صامتة حين تُربَط خيوطها ، ترسم لوحة مُريبة توحي بأن ما يجري ليس كما يبدو.
▪︎ – أولًا: إيران… الشرطي الأمين في الخليج لأكثر من أربعة عقود ، تصدح إيران بشعارات ” الموت لأمريكا ” و” سحق إسرائيل “، بينما في الخفاء ، تتقاطع مصالحها مع واشنطن بشكل يصعب إنكاره. إيران ، ورغم الخطاب العدائي هي شرطي الخليج غير المعلن ، والحارس الأمين على إستمرارية النزيف المالي الخليجي نحو واشنطن.
كل صاروخ يُطلق من طهران ، يقابله عقد تسليح جديد في الرياض أو أبوظبي. كل تهديد ” ثوري “، يقابله وفد دبلوماسي أمريكي يعقد صفقات الحماية والدرع الصاروخي.
▪︎ – ثانيًا: طهران … الحضن الدافئ لليهود في الوقت الذي تُمنَع فيه الطوائف السنيّة من بناء مسجد واحد في العاصمة الإيرانية ، نجد أن لليهود هناك أربع معابد (كنيس) مفتوحة وتحظى بالحماية الرسمية. هل يُعقل أن تُهدِّد إيران بإبادة الكيان الصهيوني ، بينما هي تحتضن أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط خارج إسرائيل؟ أي مفارقة هذه؟ هل العدو يُكرّم في الداخل ويُلعن على المنابر؟
▪︎ – ثالثًا: إستثمارات سرّية … وودٌ في الخفاء في تقارير نادرة – لكنها حقيقية – تذكر أن الكيان الصهيوني هو أحد أكبر المستثمرين في الداخل الإيراني ، وأن إستثماراته تفوق 20 مليار دولار عبر شبكات إقتصادية وسيطة. كيف نفهم هذا؟ كيف يجتمع الدمار والإستثمار لاستثمار ، الصاروخ والسهم المالي الحرب والتحالف؟
إذًا… من يخدع من؟ إنّ ما يجري أمام أعيننا لا يشبه حربًا ، بل يشبه لعبة شطرنج قذرة يُضحّى فيها بشعوب المنطقة كبيادق ، بينما الملوك والوزراء يتحرّكون وفق مصالحهم العليا بعيدًا عن الدم والركام. يُراد لنا أن نصدق أن إيران هي قلعة المقاومة ، والكيان الصهيوني هو العدو الأوحد ، لكن في الكواليس تجلس طهران وتل أبيب وواشنطن على نفس الطاولة ، يختلفون في الصورة ويتقاطعون في المصالح. نحن فقط مَن يُطلب منهم التصفيق ، الهتاف ، والنزول إلى الشوارع حاملين شعارات لا معنى لها … نحن فقط مَن يُدفن أبناؤهم تحت الأنقاض ، أو يُغرَّر بهم في معارك لا تشبه قضايانا.
في الختام … الضربة الإيرانية قد تكون حقيقية في ظاهرها ، لكنها تخدم أطرافًا متعددة في باطنها: – تلميع وجه نظام داخلي بدأ ينهار إقتصاديًا. – تبرير مزيد من صفقات السلاح. – إشعال المنطقة لإطالة عمر التحالفات المزيّفة. – صرف الأنظار عن جراح غزة ، وعن جريمة المستوطنات. إنّ أخطر الحروب ليست تلك التي تُخاض بالصواريخ ، بل تلك التي تُخاض بالعقول المُخدوعة. فلا تجعلوا من دخان المعركة سُترةً لحقيقةٍ أكبر … الضحية دائمًا هو الإنسان العربي … سواء كان في طهران، أو حيفا، أو غزة ، أو دمشق ، أو إيران أو ليبيا … إلخ .