
الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ثم الحمد لله الملك القدوس السلام، الحمد لله الذي أعطانا كل شيء على الكمال والتمام، والحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد ووضعها للأنام، يا ربنا لك الحمد حتى ترضى، وإذا رضيت وبعد الرضا، ونشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن سيدنا محمد عبدك ورسولك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد روى الإمام أبو داود في سننه حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم “أدي الأمانة إلي من آئتمنك ولا تخن من خانك ” ولا يشبه الأخذ في هذه المسألة الأخذ في المواضع التي أباحت فيها الشريعة الأخذ لظهور سبب الحق، فلا ينسب الآخذ إلى الخيانة، ولا يتطرق إليه تهمة، ولتعسر الشكوى في ذلك إلى الحاكم، وإثبات الحق والمطالبة به، والذين جوزوه يقولون إذا أخذ قدر حقه من غير زيادة، لم يكن ذلك خيانة.
فإن الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه، وهذا ضعيف جدا، فإنه يبطل فائدة الحديث، فإنه قال ” ولا تخن من خانك” فجعل مقابلته له خيانة، ونهاه عنها، فالحديث نص، بعد صحته” كما استشهد الإمام ابن القيم بهذا الحديث على وجوب سد الذرائع فقال ما نصه ” ومن ذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منع الرجل من أخذ نظير حقه بصورة الخيانة ممن خانه وجحد حقه، وإن كان إنما يأخذ حقه أو دونه، فقال لمن سأله عن ذلك ” أدي الأمانة ” لأن ذلك ذريعة إلى إساءة الظن به ونسبته إلى الخيانة، مع أن ذلك أيضا ذريعة إلى ألا يقتصر على قدر الحق وصفته، فإن النفوس لا تقتصر في الاستيفاء غالبا على قدر الحق، وقد استند القائلون بالجواز إلى أدلة من القرآن والسنة منها قول الله تعالى ” وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوفبتم به ” وقوله تعالى.
” ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ” وقوله تعالى ” فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم ” وهذه النصوص ونظائرها قاطعة في موضع الخلاف، وقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه، وعلق الحافظ ابن حجر على هذه الترجمة بقول “أي هل يأخذ منه بقدر الذي له ولو بغير حكم حاكم وهي المسألة المعروفة بمسألة الظفر، وقد جنح المصنف أي البخاري إلى اختياره، ولهذا أورد أثر ابن سيرين على عادته في الترجيح بالآثار، ونص الأثر الذي ذكره الإمام البخاري عن ابن سيرين هو يقاصه وقرأ قول الله تعالى ” وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوفبتم به ” ومعنى يقاصه أي يأخذ منه مثل ماله” ثم ذكر البخاري تحت هذا الباب حديثي حديث هند، وحديث الضيافة الآتيين.
فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف” أما حديث الضيافة فعن عقبة بن عامر الجهني قال ” قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا أي لا يقدمون لنا ضيافة فما ترى فيه؟ فقال إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي أي بما يقدم عادة للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف، والشاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح الأخذ في الحديثين، فدل هذا على أن من له عند غيره حق، وهو عاجز عن إستيفائه، جاز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه وهو قول الشافعي وجماعة من العلماء، وهو أيضا قول علي بن أبي طالب، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وعطاء.