أدى التطور المتسارع لوسائل الإعلام والاتصال في العالم اليوم إلى إحداث ثورة تكنولوجية هائلة، وتغيرات جوهرية في جميع مجالات الحياة البشرية ظهرت أثارها على مستوى الجماعات والأفراد، وكان لما بات يُعرف اليوم بشبكات التواصل الاجتماعي الأثر الواضح في الأحداث اليومية، بعدما تحولت هذه الشبكات إلى مواقع اجتماعية إلكترونية تواصلية على الإنترنت تتيح لمستخدميها إنشاء مدونات إلكترونية، وإجراء محادثات، وإرسال رسائل في شكل نسق لغوي. أولا: التواصل الاجتماعي ضرورة اجتماعية وبما أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ويحتاج إلى التواصل مع غيره من أفراد مجتمعه في بيئته الاجتماعية، وقد عرف المختصون التواصل بأنه ”حالة من الفهم المتبادل بين نظامين أو أكثر، حين يقوم أحد هذه الأنظمة مقام المرسل فيما يقوم الآخر مقام المستقبل، ويتبادل كلا الطرفين المواقع من حيث الإرسال والاستقبال بالتناوب، وذلك عن طريق اللغة لأن اللغة في المجتمع الإنساني توفر مساحة كبيرة من الحركية التي تتجسد في (مجموع آفاق المعاني التي يرجع إليها الأفراد في تفاعلهم) ومع بداية ظهور مواقع التواصل الاجتماعى عام2004، وصار موقع التواصل الاجتماعي (FaceBook.com) من أهم المواقع الالكترونية، وأكثرها استخداما في العالم حيث تجاوز عدد مستخدميه 2.24 مليارمستخدم، وتجاوزت قيمته المادية مليارات الدولارات. لقد وجد الجيل الجديد من الشباب العربي اليوم نفسه على صلة بما يحدث في العالم من تطورات من خلال ارتباطه بالتكنولوجيا الحديثة في عالم الاتصال والتواصل، فما كان منه سوى الاستجابة للتطورات العلمية والانخراط في هذا العالم التكنولوجي والخضوع كلية لما تمليه التقنية الغربية التي أوجدت وسائل الاتصال والتواصل وفق نسقها اللغوي الغربي، وشرع الشباب العربي يُنشئ صفحاته الخاصة به على شبكة مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك أو تويتر..)،ولم يجد بداً من تغيير وتعديل النسق اللساني العربي الفصيح بما يمكنه من التواصل مع غيره. ولما كانت شبكات التواصل منفتحة على مستويات بعضها ضعيف المستوى اللغوي العربي، فإن الشباب العربي استخدم لغة وظيفة أو قل لغة واقعية تناسب ما وصلت إليه حالة اللغة فى المجتمعات العربية اليوم والتى يستخدمها جيل اليوم من الشباب العربى فى مواقع التواصل الاجتماعى ، هذا الواقع الذي ينطلق من واقع لغوي متشكك ومرتبك نتيجة ما تعانيه اللغة العربية في الأوطان العربية. وليس من شك في أن هذا التوجه اللغوي الجديد الذي أملاه الواقع الشبابي العربي اليوم صار يشكل نوعا من التهديد لسلامة اللغة العربية الفصحى بما يحمله من مفارقات تكاد تعصف بالبنية اللغوية السليمة للغة العربية التي ظلت راسخة كالجبال في وجه التغيرات التي مرت بها البلاد العربية. ولكن هذا النسق اللساني الشبابي الجديد الذي ارتبط بمواقع التواصل الاجتماعي تغول بعدما بات يستمد خطره من الغموض الذي يتسم به، فهو نسق لغوي غير واضح المعالم، ولا تحكمه قواعد لغوية، أو نحوية، أو صرفية، أو إملائية وكل من يستخدم هذا النسق الجديد يتصرف فيه بحسب حاجته، وبحسب هواه، فمرة يكتب اللهجة العامية بالحروف العربية مع ركاكة واضحة في التعبير، وأخطاء لغوية، ونحوية، وصرفية .. ومرة ثانية يكتب اللهجة العامية بحروف أجنبية (فرنسية أو إنجليزية ) فيكتب تراكيب ركيكة، ويكثر من الأخطاء النحوية والصرفية .. ومرة ثالثة يمزج كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي بين نسق لساني مكون من النسقين اللسانيين السابقين، ونسق ثالث في شكل صور، لذلك فإن نتيجة هذه الصدمة اللغوية التي مست جانبا مهما من النسق اللساني للغة العربية الفصحى جعل المهتمين باللغة العربية يدقون ناقوس الخطر، ويشيرون صراحة إلى خطورة مثل هذه الأنساق اللغوية على اللغة العربية، كما جاء فى أحد الدراسات العلمية والتي ناقشت وضعية اللغة العربية في ظل تكنولوجيا المعلومات، وانتهت إلى نتيجة مفادها أن عددا هائلا من مستعملي موقع التواصل الاجتماعي (FaceBook) في البلاد العربية يوصف مستوى الأداء اللغوي عندهم بضعيف مما يشكل خطورة على قوة اللغة العربية وحيويتها، ووصفت الدراسة المحتوى اللغوي الرقمي العربي عند العرب على الانترنيت بأنه متدن إلى درجة يمكن معها الخوف على اللغة العربية الفصحى كلغة لها صلة وطيدة بالدين، والهوية، بعدما تجاوز عدد المتحدثين باللغة العربية حول العالم حوالى 300 مليونا. الأكيد أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست السبب المباشر في تدني المستوى لأننا نجد أن نسبة أكثرمن 50 % من سكان الوطن العربي لايتقنون اللغة العربية الفصحى بشكل جيد، وربما ذلك يعود إلى تضافر كثير من الأسباب منها فشل المدرسة في وضع مناهج تربوية للغة عربية حديثة تتجاوز كل الإشكالات التي تحول دون الاندماج التام لها بالعصرالرقمي، أو بسبب تجاهل بعض الحكومات العربية تعريب إداراتها، وتصحيح تصور مواطنيها تجاه قيمة اللغة العربية كلغة قومية وطنية. ومهما يكن من أمر فإنه لا يمكننا أن ننكر اليوم أن التواصل عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ضرورة أملتها ظروف مختلفة (اقتصادية واجتماعية، وسياسية، وثقافية..) في عصر العولمة، والتي تتيح للمرء الاطلاع على كل معارف العالم عبر الشبكات الالكترونية التي بدأت تحل مكان المكتبات العامة.
ثانيا: مقترحات وحلول ممكن تنفيذها فى المجتمع المصرى
وهناك عدة خطوات إصلاحية يمكن أن نعيد إلى اللغة العربية رونقها. وأن العلاج لابد أن يكون على مستوى مؤسسي؛ فالمبادرات الفردية محدودة الإمكانات فضلا عما يعترض طريقها من عقبات. لذلك لابد أن تتبنى الدولة القضية وتعتبرها مسألة “أمن قومي”، لا سيما وأن الدستور ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد. وهناك محاور كثيرة يمكن من خلالها تصحيح واقع اللغة العربية، منها: 1- تعديل المناهج، فالنصوص المكتوبة في تلك المناهج تكون في الغالب “عديمة الشخصية”، وفقيرة لا تُظهر جمال اللغة العربية، ومن ثم ينفر منها الطلاب. 2- إعداد معلم العربية بشكل يضمن إتقانه اللغة؛ و إيجاد عائد مادي يشجع على العمل في مجالات اللغة العربية، ويطمئن مَن يقضي سنوات في دراسة اللغة إلى أنه سيجد عملا مجزيا يكفل له حياة كريمة. 3- تعيين مراجعين للغة العربية في المؤسسات الحكومية، وفي المجالس النيابية، وتأهيل أعضاء هذه المجالس لغويا قبل بدء وظائفهم، لا سيما وأن القوانين التي تُناقش داخل هذه المؤسسات تحتاج إلى الكتابة بلغة عربية صحيحة. 4- أهمية القراءة كوسيلة لإتقان العربية وترسيخ القواعد في ذهن الإنسان حتى يكتب لغة صحيحة دونما حاجة إلى مراجع أو مصحح لغوي. ولا يجب ان نغفل جهد مجمع اللغة العربية في القاهرة، لكنه يؤخذ عليه أن “طرقه كلاسيكية في التعاطي مع اللغة ومشكلاتها لا سيما مع الشباب”، ومن ثم فالتبسيط مطلوب حتى تصل اللغة للشباب فى صورة يستطيعون التحد ث بها دون معوقات وأن ندمج بين القديم والحديث ونعيد صياغة طرق تدريس اللغة العربية.
وصلوات ربى وسلامه على سيدنا محمد الرسول المصطفى والزعيم المجتبى وعلى آله وصحبه أجمعين