
الدكروري يكتب عن رباط يوم وليلة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد إن الجهاد في سبيل الله عو وجل له منزلة عظيمة عند الله تعالي، ولقد جاهد النبي صلي الله عليه وسلم في سبيل الله جهادا عظيما، فإنه لما نزل قول الله تعالى في بداية الدعوة ” يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا” إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقوم قياما طويلا، حتى أشفقت عليه السيدة خديجة رضي الله عنها فدعته إلى أن يطمئن وينام فقال لها صلى الله عليه وسلم “مضى عهد النوم يا خديجة” وظل هذا شأنه صلى الله عليه وسلم إلى أن لقى ربه، وتبعه في هذا الأمر أصحابه رضوان الله عليهم فشقوا على أنفسهم مشقة بالغة.
فهذا هو القائد خالد بن الوليد، فإنه لم يشتهر بحمل العلم والفقه بمثل ما اشتهر به معاذ بن جبل أو ابن مسعود أو غيرهم من فقهاء الصحابة وإنما اشتهر خالد بإتقان فنون الحرب والفروسية، حتى أصبح يجد لذته وسعادته وقرة عينه في معاناة هذا اللون من الجهاد الذي يشق على كثير من النفوس ولذلك كان رضى الله عنه يقول ” ما ليلة تهدي إلي فيها عروس أنا لها محب أو أبشر فيها بغلام بأحب إليّ من ليلة شديدة الجليد أصبّح فيها العدو في سرية من المهاجرين” فانظر إلى خالد يجد من اللذة في هذا الجو الشديد البرودة المخيف ما لا يجده في ليلة تهدي إليه فيها عروس أو يبشر فيها بغلام، وهذا أبو ذر الغفاري رضى الله عنه لم يعرف عنه مزيد عناية بالعلم أكثر من غيره ولا مزيد اهتمام بشأن الجهاد أكثر من غيره, و إنما عرف بالزهد والورع والحث على التقلل من الدنيا.
والتزود للآخرة وتجد من الصحابة غير هؤلاء لهم اهتمامات أخرى غير ما سبق، وكلها تدعوا إلي جهاد في سبيل الله، وإن هذه المزايا التي تنفرد بالتميز بها طائفة عن أخرى راجعة إلى خصائص موجودة في أصل التركيب وأصل الفطرة عند هؤلاء القوم، فخالد بن الوليد قد جبل على الشجاعة وابن مسعود، قد منح من قوة الذاكرة وقوة الاستنباط والجلد في طلب العلم ما ليس عند غيره، وهكذا فإن منزلة الجهاد عند الله عز وجل منزلة عظيمة، فعن سلمان الفارسي قال “سمعت رسول الله يقول “رباط يوم وليلة، خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ” رواه مسلم والنسائى، وإن الجهاد في اللغة هو بذل الجهد والوسع والطاقة، من الجهد بمعنى الوُسع، أو من الجهد بمعنى المشقة وكلا المعنيين في الجهاد.
وفي الشرع أو في اصطلاح القرآن والسنة، يأتي بمعنى أعم وأشمل، يشمل الدين كله، وحينئذ تتسع مساحته فتشمل الحياة كلها بسائر مجالاتها ولهذا يسمى حينئذ، الجهاد الأكبر، وله معنى خاص هو القتال لإعلاء كلمة الله تعالى وهذا يشغل مساحة أصغر من الأولى ولهذا سُمى الجهاد الأصغر، فإن الجهاد بمعناه العام يشمل حياة الفرد والمجتمع كلها بجوانبها المختلفة، الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصراع فيه يشمل أعداء كثيرين يشمل النفس وشهواتها والهوى ووساوس الشياطين، شياطين الجن والإنس، ووساوس هؤلاء الشياطين على نوعين نوع هدفه زرع الشبهات وآخر هدفه اتباع الشهوات، ومكافحة الأول بنشر العلم والعقيدة الصحيحة، ومقاومة الثانى بنشر الفضائل والأخلاق الحميدة وموعظة الناس لتقوية إيمانهم، وكل هذا وذاك من الجهاد الأكبر.
ولذلك فإن تسمية الأول بـالجهاد الأكبر صحيح المعنى، تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، وإن لم يصح الحديث الوارد فيه بخصوصه، ففي حصر مفهوم الجهاد في القتال، خطأ في فهم الكتاب والسنة، فإن الجهاد فيهما جاء بمعنى القتال، وجاء بمعنى أكبر من ذلك وأشمل، وقد قال الله تعالى “فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا” وقال ابن عباس رضى الله عنهما ” وجاهدهم به أي القرآن ” فالجهاد الكبير هنا ليس هو القتال، وإنما هو الدعوة والبيان بالحجة والبرهان، وأعظم حجة وبيان هو هذا القرآن الكريم، فإنه حجة الله تعالى على خلقه، ومعه تفسيره وبيانه الذي هو السنة النبويه الشريفه.