إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد إن الإسلام شمل برحمته حتى الحيوان البهيم وغيره، لأنه دين الرحمة والعدل والسلام، وأمر المسلمين بالتمسك بالرحمة في أرفع معانيها، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال، دخل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حائطا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، حنّ الجمل وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه، فسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من رب هذا الجمل؟” فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله، فقال “أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟
فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه” رواه أحمد وأبو داود، ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم، لم تشغله قيادته للمعارك ومنازلة أعدائه أن يرعى الضعفاء ويرق لحالهم، ويسعى لخلاصهم ويمنع عنهم الاعتداء، فكانت إنسانيته الراقية وحسه المرهف يدفعانه بقوة أن يكون نصير كل مظلوم، وسند كل مقهور وحامي كل مكسور، وكان لبني مقرن خادمة فلطمها أحدهم، فجاءت تشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، باكية، فاستدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالكها قائلا له ” أعتقوها ” فقالوا ليس لنا خادم غيرها فقال صلى الله عليه وسلم ” فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها” إنه النبي الإنسان الرفيق الرحيم صلى الله عليه وسلم، الذي جعل فداء اللطمة، وثمن الإهانة أن تنال هذه الجارية حريتها، والنبي صلى الله عليه وسلم، هنا يقرر مبدأ إسلامي أصيل.
وهو أن رق الإنسان وعبوديته ليس موجبا لحرمانه من حقوقه وتجريده من آدميته والاعتداء على كرامته واعتباره كالسائمة، ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم، عظيم الأدب رفيع الذوق كريما، لا يدع إنسانا أهدى إليه معروفا، أو ساق إليه خيرا إلا كافأه بأحسن ما يكون العطاء فإن لم يجد فبدعوة كريمة، وثناء عطر، مصداقا لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن الأعرابي الذي بال في المسجد، فلما قام الصحابة رضي الله عنهم لينكروا عليه فعلته ويعاقبوه عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا تزرموه، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم دعاه فقال صلى الله عليه وسلم له “إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن” ثم أمر رجلا من القوم، فجاء بدلو من ماء، فأراقه عليه.
فقد كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأجودهم، وبذلك شهدت له زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها في قولها “إنك تحمل الكل وتكسب المعدوم” ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان” وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد المواقف وأصعبها، ومع ذلك كان ثابتا راسخا لا يُدبر، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا اشتد القتال بالمعركة، يحتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الإمام علي رضي الله عنه “إنا كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه”.