“رمزية الألم والصمت في الأدب النسوي”، مع تضمين شواهد شعرية تعبّر عن هذه الرمزية:
—
رمزية الألم والصمت في الأدب النسوي
يُعدّ الأدب النسوي مرآة تعكس تجارب النساء في مجتمعات تهيمن عليها السلطة الذكورية، وغالبًا ما تلجأ الكاتبات إلى رمزين قويين هما: الألم والصمت، للتعبير عن واقع المرأة المُهمَّش ومقاومتها الصامتة. فهما لا يمثلان مجرد شعورٍ أو حالة، بل يتحولان إلى لغة رمزية تنطوي على معانٍ اجتماعية ونفسية وسياسية.
أولًا: الصمت بوصفه مقاومة وهوية
يُستخدم الصمت في الأدب النسوي كأداة للتعبير عن القمع الاجتماعي الذي تتعرض له النساء، خاصة حين يُمنعن من الكلام أو التعبير عن ذواتهن. لكنه في ذات الوقت يتحول أحيانًا إلى مساحة للتمرد، حيث تُعبّر المرأة بصمتها عن رفضها واحتجاجها. كما في قول الشاعرة لميعة عباس عمارة:
“أنا لا أقولُ، ولكن صمتيَ لو نطقَ
لقصَّ عمّا في الضميرِ وما خَفَقَ”
الصمت هنا ليس استسلامًا، بل لغة مضمرة مليئة بالمعاني، تشهد على حكايات دفينة لا يسمح لها الواقع أن تُقال.
ثانيًا: الألم كمعادل للمعاناة والتحوّل
الألم، في الأدب النسوي، يتجاوز الألم الجسدي إلى كونه تجسيدًا لمعاناة المرأة النفسية والوجودية، سواء من خلال الحب الفاشل، أو العلاقات غير العادلة، أو العنف الاجتماعي. لكنه أيضًا نقطة تحول، ومن خلاله تعي المرأة ذاتها وتبدأ رحلة الرفض.
تقول الشاعرة نازك الملائكة:
“كأنّ جراحَ نفسي ما تَفانى
ولا هدأَ الأسى يومًا وعادَ”
هذا الألم المستمر ليس مجرد بكاء على الواقع، بل وعيٌ حيٌّ به، يُمهّد لانبعاث قوة داخلية تغيّر مجرى الذات والكتابة.
ثالثًا: الجسد كأرضٍ للصمت والألم معًا
في كثير من النصوص النسوية، يُستخدم جسد المرأة كرمز مركزي للمعاناة، لكنه أيضًا يصبح مساحة للبوح والتمكين. فالجسد الصامت والمؤلم هو الذي يروي ما لا يُقال بالكلمات. تقول سعاد الصباح:
“أمارسُ حزني عليكَ
كأنّي أمارسُ حقًّا من الحقوقْ
فلا أحدًا غير حزني يرافقني الآنَ
لا أحدًا غير صمتي يترجمُني”
تختصر هذه الأبيات كيف يتحوّل الحزن والصمت إلى وسيلة تعبيرٍ عن الوجود ذاته.
خاتمة:
الصمت والألم في الأدب النسوي ليسا ضعفًا، بل لغة بديلة للبوح والاحتجاج والبحث عن الذات. هما وسيلتان تعبيريتان تتسلح بهما المرأة الكاتبة لتفكّك البُنى التقليدية ولتكتب ذاتها من جديد – من رحم الألم وفي عمق الصمت.
