
الدكروري يكتب عن إدعاء حب الوطن
بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان من كرم النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها، وكان
صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان، ومن صبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” والأخشبان هما جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان، فأين هؤلاء الذين يدعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه.
ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية، وإذا كان حب الوطن فطرة، فإن التعبير عنه اكتساب، وتعلم، ومهارة، فهل قدمنا لأطفالنا من المعارف ما ينمّي لديهم القدرة على الإفصاح عمليا عن حبهم لوطنهم؟ وهل علمناهم أن حب الوطن يقتضي ان يبادروا إلى تقديم مصلحته على مصالحهم الخاصة؟ فلا يترددوا في التبرع بشيء من مالهم من أجل مشروع يخدم مصلحته، أو أن يسهموا بشيء من وقتهم، او جهدهم، من أجل إنجاز مشروع ينتفع به، هل علمناهم أن حب الوطن يعني إجبار النفس على الالتزام بأنظمته، حتى وإن سنحت فرص للإفلات منها، والالتزام بالمحافظة على بيئته ومنشآته العامة.
حتى وإن رافق ذلك مشقة؟ هل دربناهم على لأن يكونوا دائما على وفاق فيما بينهم، حتى وإن لم يعجبهم ذلك، من أجل حماية الوطن من أن يصيبه أذى الشقاق والفرقة؟ إنها تساؤلات إجابتها الصادقة هي معيار أمين، وتجد بعضنا يجهر بحب بلده ثم يسرق مقدراته أو يفسد فيه يجب أن نعلم أبناءنا كل السلوكيات التي تنبثق عن حب الوطن وأنها ليست مسيرة أو شعار بل فعل وممارسة وعندما قال القائل ارفع راسك فأنت مصري، يجب أن نترجمه الى عمل وفعل، فالطالب الذي يخرب في مدرسته فيتلف ممتلكاتها والعامل الذي يضرب عن عمله ويعطل إنتاجه، والمتنزه الذي يلقي نفاياته في طريق الناس، وأماكن جلوسهم راكب السيارة الذي يلقي علبة العصير من النافذة أو ربة البيت التي تلقي النفايات في الشارع، والموظف الذي لا يلتزم بوظيفته ولا يخدم الناس.
والمعلم الذي لا يخلص لوظيفته ولا يشعر بالمسؤولية عن طلابه، ورب الأسرة الذي لا يقوم بواجب أبنائه ورعايتهم وتأديبهم وتأمين عيشهم الكريم، والأستاذ الجامعي الذي لا يرتقي بطلاله ولا يحفز الإبداع والتفوق فهيم، والشيخ الذي لا يغرس القيم النبيلة بين الناس بفعله ويقول أيها الأخوة أنظروا إلىالخليل إبراهيم عليه السلام وهو يقول” رب اجعل هذا بلدا آمنا وأرزق أهله من الثمرات” فكان هذا انتماء للوطن وحب للوطن ” وأن الانتماء العائلي ليس فقط أن أحمل لقب، ولكن هو على الأقل أن أكون على صلة بأفراد عائلتي، وأن اسأل عنهم أن احترمهم، فكم من بشر يتباهون إنهم من تلك العائلة وهم لا يعلمون حتى أشكال أفرادها، فهل هذا يعتبر انتماء، فإنه من أولى مبادئ الانتماء هو أن نعلم أولادنا معنى الأهل والأسرة والعائلة.
وأن يرى الأطفال أهلهم يسألون عن أقاربهم ويصلون أرحامهم، وأن يرى الأطفال أهله يحترمون أهلهم، فالانتماء هو أن نعلم أطفالنا معنى العائلة وإن نعرفهم من هي عائلتهم حتى وأن كانوا يعيشون في بلد أخر، أليس هذا هو الانتماء أم إن هناك مفهوم أخر.