
الدكروري يكتب عن المنهج بالشريعة الإسلامية “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ولقد أثر ضعف التدين ووهن علاقة الناس بربهم لأنهم يفقدون الطاقة الإيمانية والشعور بالجزاء الأخروي، فأزمة الأمة اليوم أزمة قيم إيمانية، لا قيم مادية، وقد سجلت الأمة في فترات رسوخ الدين وعلو الإسلام مبادرات من الأعمال الخيرة والسلوك الرشيد أثارت الإعجابَ وأدهشت المنصفين، فقال الله تعالى فى سورة محمد ” والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم” وإن بعد حق الحياة يأتي حق المساواة، وهو من الحقوق التي أكدها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقد ساوت الرسالة المحمدية بين الناس جميعا مساواة مطلقة، بين الأفراد والجماعات، وبين الأجناس والشعوب، وبين الحكام والمحكومين، وبين الوُلاة والرعية، فلا قيود ولا استثناءات، ولا فرق في التشريع بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين حاكم ومحكوم، وإنما التفاضل بين الناس بالتقوى، والتقوى جماع الإيمان والعلم والفضائل، فقال الله تعالى ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”
وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المساواة في خطبة الوداع فقال “أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله اتقاكم” فإنه صلى الله عليه وسلم يحطم كل المعايير الزائفة للتفاضل بين الناس، كمعيار الجنس، أو العرق، أو اللون، أو الغنى أو الفقر، ويحارب كافة صور التفرقة العنصرية، وقد بلغت به صلى الله عليه وسلم المساواة بين الناس أقصاها حين قال “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” رواه البخاري، ومسلم، فالتفرقة بين الناس على أساس الجنس، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو السلطة، أو القرابة، أو الجاه، هي مصادرة مباشرة لمبدأ المساواة الذي أقرَّه الإسلام، ويرتبط بحق المساواة حق أخر وهو العدالة بين الناس، وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، وكان يتحرى العدل.
ويطبقه على أهله وعلى سائر المسلمين، وكان حريصا على تحقيق العدالة دون نظر إلى جاه أو قرابة، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا مَن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومَن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامة، فقال “أتشفع في حد مِن حدود الله تعالى” ثم قام فخطب ثم قال “إنما أهلك الذين من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” متفق عليه، وعن الفضل بن العباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر في مرض وفاته فقال “أيها الناس، مَن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومَن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليستقد منه، ومَن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، لا يقولن رجل
أنى أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي، ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إليّ مَن أخذ حقا كان له، أو حللني، فلقيت الله وأنا طيب النفس” وكان النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عن مصادرة حق الفرد في الدفاع عن نفسه تحريا للعدالة، فيقول “إن لصاحب الحق مقالا” متفق عليه، ويقول لمن يتولى الحكم والقضاء بين الناس “إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع مِن الآخر كما سمعت مِن الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء” رواه أبو داود، والترمذي، وعندما ننظر إلى جانب آخر من جوانب حقوق الإنسان، وهو حرمة الحياة الخاصة لكل إنسان، نجد أن للحياة الخاصة حرمتها في الإسلام، فلا يجوز انتهاكها أو التعدي عليها، ومن أجل حمايتها وصيانتها جاء العديد من أحكام الشريعة الإسلامية، فقد حرّم الإسلام الزنا، واعتبره كبيرة من الكبائر لما فيه من هتك للعرض، وانتهاك للشرف.
وهدم للأسرة، وتضييع للأخلاق، وأمر بغض البصر، ونهى عن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية إلا مع ذي محرم، كما نهى عن تبرج النساء واختلاطهن بالرجال، ووضع أدبا للحفاظ على حرمة البيوت الخاصة وهو أدب الاستئذان الذي تفرد به الإسلام، فقال الله تعالى فى سورة النور ” يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري، ومسلم، عن سهل بن سعد “إنما جعل الاستئذان من أجل البصر” وقال في حديث آخر “لا تأتوا البيوت من أبوابها يعنى مواجهة تجعل القادم بكشف ما في البيت ولكن ائتوها مِن جوانبها، فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا، وإلا فارجعوا” رواه الطبرانى، فالنظرة المجردة داخل بيت الإنسان يعتبرها الرسول صلى الله عليه وسلم اعتداء على حرمته، وحياته الخاصة.