مقال

الدكروري يكتب عن المنهج بالشريعة الإسلامية “جزء 4”

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المنهج بالشريعة الإسلامية “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وإنه لما استيقظت الدول الكبرى بعد الحرب العالمية التي أذاقتها الويلات والتي نتجت عن التفرق والعنصرية والاستعلاء وتحكيم منطق الظلم والقوة فأدرك بعض عقلاء أصحاب القرار في تلك الدول أن ما تعانيه شعوبهم وحكوماتهم من جراء تلك الحروب المدمرة أمر خطير من الظلم والشر أدى إلى انتهاك حقوق الإنسان انتهاكا كاملا في دولهم فضلا عن الآخرين، فتنادوا إلى اجتماع يضع حدا لذلك الظلم، فتكونت هيئة الأمم المتحدة ووضع المتزعمون من أعضائها من الغربيين غير المسلمين ميثاقها الذي زعموا أنه يحفظ للإنسان حقوقه، والذي هو في الحقيقة اتفاق يتضمن في باطنه الإهدار الكامل لأهم حقوق الإنسان، ما عدا المساعدات الرمزية التي تقدمها الهيئة للدول الفقيرة أو لغيرها في حال الكوارث، فحفظ عقيدة الإنسان التي فطره الله عليها وركزها في عقله قبل أن يولد وهي الإيمان بالله رب العالمين والإيمان بأنه الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الأمور.

 

والمالك لكل شيء والإيمان بأنه الإله الحق وحده لا شريك له والإيمان بالصدق والعدل والأمانة وإن لم يعرف هذه الأمور العظيمة بأسمائها وتفاصيلها لكنه يؤمن بها في الجملة ثم يتعلمها بعد ما يكبر من وحي الله سبحانه الذي أنزله في القرآن الكريم، قال الله تعالى مبينا أنه خلق الإنسان مؤمنا به موحدا له وهو في صلب أبيه الأول آدم عليه السلام، فقد بين الله سبحانه وتعالى أنه خلق الإنسان مسلما، وأن فطرته التي خلقه عليها لا تقبل إلا الإسلام، فلو أتى بإنسان عاقل عاش في معزل لا يعرف أحدا فعرضت عليه الديانات والمذاهب لرفضها كلها واختار الإسلام لأنه الموافق لفطرته، لكن الانحراف عن هذه الفطرة السليمة يحصل نتيجة تربية الوالدين والمجتمع الذي يعيش فيه، وكذلك فإنه لا يكذب ولا يخاف ولا يخون إلا نتيجة تلقيه ذلك الانحراف من مجتمع عاش فيه، ولهذا أنكر الله تعالى على المشركين الذين يعبدون غيره وأنكر على جميع الكافرين به في الآية الثانية المتقدمة حجتهم الباطلة.

 

وهي أنهم وقعوا في الشرك وهو عبادة غير الله، وتأليه ذلك الغير تقليدا لآبائهم عندما وجدوهم على هذا الانحراف وبين لهم أنه لا عذر لهم في التقليد الأعمى وقد أعطاهم الله عقولا وفطرة سليمة هداهم بها إلى الحق لكنهم حادوا عنه إلى الباطل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ” ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” ولم يقل أو يمسلمانه لأنه وُلد مسلما ولهذا قال العلماء الأطفال كلهم في الجنة إذا ماتوا حتى أطفال الكفار على الصحيح، ويبين الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم أن الذين يستغيثون بأصحاب القبور ويطلبون منهم الحاجات وتفريج الكربات وشفاء المريض ويعتقدون فيهم أنهم يعلمون الغيب ويدبرون الكون بحجة باطلة، هي حجة مشركي الجاهلية الذين يقولونه عن آلهتهم التي يعبدونها وهي أصنام ترمز لأنبياء مثل عيسى عليه السلام وصالحين مثل مريم عليها السلام وود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا.

 

فيقولون ” هؤلاء شفعاؤنا عند الله” ويقولون ” ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى” ويبين الله سبحانه أن هؤلاء الذين يعبدون أصحاب القبور ولو كانوا أنبياء أو أولياء وكذلك الذين يعبدون شيوخ الضلال، يبين سبحانه أنهم كفار مشركون وإن كانوا يدّعون الإسلام وينطقون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون البيت، وبهذا يتبين أن أعظم حقوق الإنسان التي تجب المحافظة عليها حماية له من الشقاء المحتوم في الدنيا والآخرة وحفظ عقيدته التي هي حق الله على عباده، وهي أن يعبده وحده لا شريك له، وبهذا يعلم جميع المشركين وفي مقدمتهم زعمائهم أنهم قد أضاعوا أعظم حقوقهم وهو عدم دخولهم في الإسلام وتحكيم الشريعة الإسلامية التي جاءت في القرآن العظيم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين وهو محمدصلى الله عليه وسلم وكان الواجب الأكبر على كل عاقل في العالم رئيس أو مرؤوس أن يعمل إلى جانب إنقاذ نفسه على إنقاذ الإنسان المنحرف عن عقيدة الإسلام.

 

بدعوته إلى الدخول فيه وتعلم القرآن العظيم وسنة سيد المرسلين محمدصلى الله عليه وسلم والعمل بذلك لكي يسعد في الدنيا والآخرة لأنه لا سعادة للإنسان إلا بتحرره من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق وهو الله رب العالمين، الإله الحق وحده لا شريك له، ونأتي إلى حق آخر من حقوق الإنسان، وهو حرية العقيدة والاعتقاد، فنجد هذه الحرية مصونة في الإسلام، فالدين مِن الضروريات التي يحفظها الإسلام لبنى البشر أيا كانت ديانتهم وعقيدتهم، فلا إكراه لأحد على اعتناق عقيدة معينة، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى” وقد فتح المسلمون البلاد والأمصار، ولم يُسجل عليهم التاريخ حادثة إكراه واحدة من أجل تغيير العقيدة، بل إن أهل الذمة قد عاشوا في ظل الإسلام حياة سعيدة ومارسوا فيها حريتهم الكاملة في الاعتقاد وإقامة شعائرهم، وهذا هو المنهج الذي رسمه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للأمة، وسار عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى