
الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الرابع مع شهر الجهاد والصبر، بل إن الانتصارات التي تحققت وتتحقق على أعداء الأمة خلال شهر رمضان منذ بدء الرسالة، هي نتيجة للأجواء الإيمانية، والتربية الروحية والسلوكية التي يتعلمها ويتدرب عليها المسلمون فى مدرسة رمضان السنوية، مما يهيئ لهم أسباب النصر لينتصروا على أعدائهم، فإنها محصلة كذلك لتلك الانتصارات التى يحدثها وينجزها العبد المؤمن على مستواه الفردى والجماعي في شهر الصيام، لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الانتصارات بمفهومها الشامل، هذه الانتصارات التي تعد توطئة لانتصارات عظمى وإن من جملة هذه الانتصارات التى ينبغى للمسلم السعى فى تحصيلها فى شهر رمضان المبارك هو الانتصار على الرياء، فإن رمضان شهر الإخلاص بلا منازع.
وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزى به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلى” وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال ” من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وقال صلى الله عليه وسلم ” من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه” وقال صلى الله عليه وسلم “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وإن تحقيق هذا النوع من الانتصار هو الأساس الذى تنبنى عليه كل الانتصارات الأخرى.
فإن تربى العبد على الاستحضار الدائم لعامل المراقبة هذا، وذلك بعدم جعل الله أهون الناظرين إليه، وتجنب ما لا يرضيه من فعل أو قول أو خلق أو سلوك سرا أو علانية، فيكن بذلك قد تجاوز عتبة الانتصار الأول والمهم في مدرسة الصيام ليصحبه صحبة دائمة لازمة طيلة العام، وإن من الإنتصار فى هذا الشهر هو الانتصار على الشيطان، ذلك أن وسيلة الشيطان لإغواء بني آدم هى الشهوات، وتقوى هذه الشهوات بالأكل والشرب، والصيام يضيق مجارى الدم، فتضيق مجارى الشيطان، فتسكن وساوسه ويُقهر بذلك، فعن السيدة صفية بنت حيي رضى الله عنها، قالت قال النبى صلى الله عليه وسلم “إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم” وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجارى الشياطين الذي هو الدم.
وإذا صام ضاقت مجارى الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات، وقد هيأ الله سبحانه وتعالى ذلك للصائم، فصفده له ليسهل له وعليه هذا النوع من الانتصار، ولكى يقوى عناصر المناعة الإيمانية لديه، ويستحضر كل مسببات القوة اللازمة لينتصر في معركته مع شيطانه بشكل دائم أو غالب على الأقل، ورمضان فرصة مواتية لتكبت شيطانك وتغلبه وتصرعه بسهولة ويسر، لأنك إن فشلت في معركتك معه فى شهر الصيام، فأنت فيما سواه من الشهور أفشل، تصور نفسك في حلبة تصارع خصما مكبل اليدين والرجلين وأنت حر طليق فى كامل قوتك ولياقتك وعافيتك ونشاطك، فمن العيب والقصور والحرمان أن لا تنتصر عند ذلك، فاعمل جاهدا واستغل الفرصة لتذوق طعم الانتصار على الشيطان، كى يغريك ذلك في الاستمرار في صرعه فيما سوى ذلك من الأوقات.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين” وقال ابن رجب في شهر رمضان يلطف الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيغل فيه الشياطين ومردة الجن حتى لا يقدروا على ما كانوا يقدرون عليه في غيره من تسويل الذنوب ولهذا تقل المعاصي فى شهر رمضان فى الأمة، وقال أيضا فى هذا الشهر يؤخذ من إبليس بالثأر، وتستخلص العصاة من أسره فما يبقى لهم عنده آثار، كانوا فراخه قد غذاهم بالشهوات فى أوكاره فهجروا اليوم تلك الأوكار، نقضوا معاقل حصونه بمعاول التوبة والاستغفار، خرجوا من سجنه إلى حصن التقوى والإيمان فأمنوا من عذاب النار، قصموا ظهره بكلمة التوحيد فهو يشكو ألم الانكسار، في كل موسم من مواسم الفضل يحزن.