مقال
شعاع من نور ومع أبرهة الأشرم ” الجزء الأول “

شعاع من نور ومع أبرهة الأشرم ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
أبرهة بن الصباح الحبشى ويقال له أيضا أبرهة الأشرم وهى كلمة لاتينية تسمى آبراموس وتعني إبراهيم وهو قائد عسكري من مملكة أكسوم وأعلن نفسه ملكا على حميَّر، وفد حكم بلاد اليمن والحجاز، وقد ذكر إسم أبرهة في المصادر البيزنطية والسريانية ونصوص خط المسند ونسجت حوله العديد من الروايات والأساطير، وحسب ما ورد في الموسوعة البريطانية فهو مسيحي متدين اشتهر ببناء كنيسة ضخمة في صنعاء وبحملته العسكرية نحو مدينة مكة المكرمة في نفس العام الذي ولد فيه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في ربيع الأول فى العام الثالث والخمسين قبل الهجرة، الموافق أبريل لعام خمسمائة وواحد وسبعون ميلادى وقد فشلت الحملة رغم استعانته بالفيل، وانتهى حكم الحبشة وسيطرتهم على اليمن نهائيا بالغزو الساساني الفارسي لليمن عام خمسمائة وخمسة وسبعون ميلادى بعد وفاة أبرهة بأربع أعوام، وإذا تكلمنا عن إبراهه فسوف نذكر الكعبه المشرفه وإن الكعبة مقصد المسلمين في الحج والعمرة، والكعبة تقع وسط المسجد الحرام تقريبا الذي يعدّ أول المساجد التي تشد إليها الرحال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى” وإن الكعبة هي بيت الله الحرام وقبلة المسلمين، ولقد جعلها الله سبحانه وتعالى منارا للتوحيد ورمزا للعبادة، ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة المائدة “جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس”
شعاع من نور ومع أبرهة الأشرم ” الجزء الأول “
وهي أول بيت وضع للناس من أجل عبادة الله عز وجل، ولقد قال الله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين” وإن للكعبة المشرفة تاريخ طويل، مرت فيه بمراحل عديدة، ويبتدأ تاريخها في عهد نبي الله الخليل إبراهيم وولده الحليم إسماعيل عليهما السلام، حين أمره الله سبحانه وتعالى بأن يسكن مكة هو وأهله، وكانت مكة في ذلك الوقت جدباء قاحلة، وبعد الاستقرار في مكة وبلوغ نبى الله إسماعيل عليه السلام، أذن الله تعالى لهما ببناء الكعبة، ورفع قواعدها، فيقول الله تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة البقرة ” وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا” فجعل نبى الله إسماعيل عليه السلام يأتي بالحجارة والخليل إبراهيم عليه السلام يبني، وارتفع البيت شيئا فشيئا، حتى أصبح عاليا لا تصل إليه الأيدي، عندها جاء نبى الله إسماعيل عليه السلام بحجر ليصعد عليه أبوه ويكمل عمله، واستمرا على ذلك وهما يقولان كما جاء فى سورة البقرة “ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم” حتى تم البناء واستوى، ثم استقرت بعض القبائل العربية في مكة من وهم قبيلة العماليق وقبيلة جرهم، وتصدع بناء الكعبة أكثر من مرة نتيجة لكثرة السيول والعوامل المؤثرة في البناء، وكان أفراد تلك القبيلتين يتولون إصلاحها، ورعايتها، ومرت السنون، حتى قامت قريش ببناء الكعبة، وذلك قبل البعثة المحمدية بخمس سنين، وكان بناء الكعبة آنذاك على هيئة حجارة منضودة موضوعة بعضها فوق بعض من غير طين.
مما جعل السيول التي تجتاح مكة بين الحين والآخر تؤثر على متانة الكعبة فأوهت بنيانها، وصدعت جدرانها، حتى كادت أن تنهار، فقررت قريش إعادة بناء الكعبة بناء متينا يصمد أمام السيول، ولما أجمعوا أمرهم على ذلك وقف فيهم أبو وهب بن عمرو فقال” يا معشر قريش، لاتدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبا، لايدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس” لكن قريشا تهيبت من هدم الكعبة، وخشيت أن يحل عليهم بذلك سخط الله عز وجل، فقال لهم الوليد بن المغيرة” أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول وبدأ بالهدم وهو يقول اللهم لم نزغ، ولا نريد إلا الخير، فهدم من ناحية الركنين، فترقب الناس ليلتهم ليروا هل أصاب الوليد بن المغيرة شر بسبب ما فعل ؟ فلما رأوه يغدو عليهم لا بأس به، قامو إلى الكعبة فأكملوا هدمها، حتى لم يبق منها إلا أساس الخليل إبراهيم عليه السلام، ثم تلى ذلك مرحلة البناء، فتم تقسيم العمل بين القبائل، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة، فجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دب الشقاق بين قبائل قريش، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر إلى موضعه، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم، فإذا هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وما إن رأوه حتى هتفوا هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر
فقال لهم صلى الله عليه وسلم” هلمّ إلي ثوبا” فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال صلى الله عليه وسلم” لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا” ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه، أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه، ولما كانت قريش قد عزمت على بناء الكعبة من حلال أموالها، فقد جمعت لهذا الأمر ما استطاعت، إلا أن النفقة قد قصرت بهم عن إتمام بناء الكعبة بالمال الحلال الخالص، ولهذا أخرجوا الحِْجر وهو الحطيم، ويقال حجر إسماعيل من البناء، ووضعوا علامة تدل على أنه من الكعبة، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للسيدة عائشة رضي الله عنها ” ألم تري أن قومك قصرت بهم النفقة ؟ ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة، وجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا، وأدخلت فيها الحجر” ولما جاء عهد عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه، قرر أن يعيد بناء الكعبة على نحو ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حياته، فقام بهدمها، وأعاد بناءها، وزاد فيها ما قصرت عنه نفقة قريش وكان حوالي ستة أذرع، وزاد في ارتفاع الكعبة عشرة أذرع، وجعل لها بابين أحدهما من المشرق والآخر من المغرب، يدخل الناس من باب ويخرجون من الآخر، وجعلها في غاية الحسن والبهاء فكانت على الوصف النبوي الشريف كما أخبرته بذلك خالته السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وفي عهد عبدالملك بن مروان كتب الحجاج بن يوسف الثقفي إليه فيما صنعه ابن الزبير في الكعبة، وما أحدثه في البناء من زيادة، وظن أنه فعل ذلك بالرأي والاجتهاد.
شعاع من نور ومع أبرهة الأشرم ” الجزء الأول “
فرد عليه عبدالملك بأن يعيدها كما كانت عليه من قبل، فقام الحجاج بهدم الحائط الشمالى وأخرج الحِجْر كما بنته قريش، وجعل للكعبة بابا واحد فقط ورفعه عاليا، وسد الباب الآخر، ثم لما بلغ عبدالملك بن مروان حديث السيدة عائشة رضي الله عنها ندم على ما فعل، وقال” وددنا أنا تركناه وما تولى من ذلك” وأراد عبدالملك أن يعيدها على ما بناه ابن الزبير، فاستشار الإمام مالك في ذلك، فنهاه خشية أن تذهب هيبة البيت، ويأتي كل ملك وينقض فعل من سبقه، ويستبيح حرمة البيت، وأما آخر بناء للكعبة فكان في العصر العثماني سنة ألف وأربعين للهجرة النبوية الشريفة، عندما اجتاحت مكة سيول عارمة أغرقت المسجد الحرام، حتى وصل ارتفاعها إلى القناديل المعلقة، مما سبب ضعف بناء الكعبة، عندها أمر محمد علي باشا والي مصر، مهندسين مهرة، وعمالا يهدمون الكعبة، ويعيدون بناءها، واستمر البناء نصف سنة كاملة، وكلفهم ذلك أموالا باهظة، حتى تم العمل، ولازالت الكعبة شامخة، تهفو إليها قلوب المؤمنين، وستظل كذلك حتى يقضي الله أمره في آخر الزمان بهدم الكعبة على أيدي الأحباش واستخراج كنز الكعبة، وفي الجملة فإن الكعبة لها تاريخ طويل مليء بالأحداث والعبر التي لابد لنا أن نعيها ونستفيد منها، وإننا نعرف قصة الفيل من السورة القرآنية وفيها قول الحق سبحانه وتعالى” ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل” لكن القرآن الكريم لم يقل لنا إن أبرهة الحبشى كان هو قائد أصحاب الفيل، أما كتب السير فقد ذكرت ذلك فى السيرة النبوية كما ذكرته كتب التفاسير.
