مقال

نفحات إيمانية ومع الإصلاح والتنمية البشرية ” جزء 1″

نفحات إيمانية ومع الإصلاح والتنمية البشرية ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

نعيش فى هذا الزمان الذى كثرت فيه الفتن والمحن والبلايا ونجتهد أن نكون من المصلحين ومن الذين يدعون إلى الإصلاح والصلاح، ولكن كيف يكون ذلك إلا بالفهم والإدراك والوعى السليم والتنمية، ويعد مفهوم التنمية البشرية من المفاهيم الحديثة التي شاعت في العقود الأخيرة من خلال الدراسات العلمية والتقارير الدولية التى ترصد حياة الإنسان وتسعى إلى إيجاد بيئة أفضل للعيش وممارسة الحياة، وعلى الرغم من حداثة استخدام المفهوم، فإن فكرة التنمية البشرية ليست حادثة على الإنسان بل تمتد بامتداد الوجود الإنسانى ذاته، فالسعي للتنمية والتطور والنماء ملازم لمسيرة الإنسان في حياته، وشكل إحدى الوسائل التي تطورت بها الحياة البشرية على كوكب الأرض.

 

وقد شهدت الحياة البشرية تطورا في مفهوم التنمية البشرية حتى استقر إلى ما وصلت إليه تقارير الأمم المتحدة التي ترصد هذه التنمية منذ خمسينيات القرن الماضى، ولكن مازال هذا العلم، والقائمين عليه في بلادنا بدائيين إلى حد ما, في أدائهم وفي إيصال رسالتهم, وبطريقة تسويق هذا العلم وإيصال أهميته للمجتمع بشكل عام, ونحن أحوج مانكون إليه, فإن تعريف التنمية البشرية يتطلب منا الإحاطة بمفهوم التنمية أولا باعتبارها الأساس الذي يتم فهم المصطلح من خلاله، فقد تطور تعريف التنمية وتعددت رؤية الباحثين له باختلاف رؤيتهم وتخصصهم واهتمامهم، فبعضهم كان يرى فيه الجانب الاقتصادي، وبعضهم نظر إلى التنمية من جانبها الاجتماعى.

 

إلا أن هذه التعريفات لم تصمد طويلا، إذ سريعا تطور التعريف ليشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، ولذا يصعب إعطاء المفهوم تعريفا محددا لكن يمكننا تحديد مفهوم تنمية الموارد البشرية بأنه عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها إلى الأفضل، وإذا كان الإنسان هو مرتكز التنمية البشرية فإن الإسلام قد سبق كل الرؤى لذلك إذ إن اختيار الإنسان لحمل الرسالة الإسلامية جعله المحور الذي تقوم عليه عملية البناء والتنمية والتطوير، فى المجتمعات الإسلامية، فهو الحامل للأمانة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله فى سورة الأحزاب ” إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ”

 

وهذا الحمل للأمانة يقتضى استعدادا لدى الإنسان المسلم لذلك، وهو ما تتجه إليه الرؤية الإسلامية لمفهوم التنمية البشرية، فعلى الرغم من أن مصطلح التنمية لم يرد في المصادر الإسلامية، فإن المفهوم حملته مصطلحات أخرى وردت فى القرآن الكريم والسنة النبوية ومن ذلك التزكية، في قوله تعالى فى سورة الشمس ” ونفس وما سواها، فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها” وقد قال الطبرى فى قوله تعالى ” قد أفلح من زكاها” أى قد أفلح من زكى نفسه فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي وأصلحها بالصالحات من الأعمال، وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ” من زكاها” أى بمعنى من أصلحها، وقال الشيخ السعدى أى طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب.

 

ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها ” رواه مسلم، والتزكية هنا بمعنى النماء والزيادة والصلاح والطهر، وهى المعانى التي تتضمنها التنمية بمفهومها الإسلامي فليس المقصود هو الزيادة فقط، بل المقصود أن تكون هذه الزيادة صالحة ونافعة، وأيضا من مفهومها هو الإعمار، فقد قال تعالى فى سورة هود ” هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفرواه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى