• محمود فوزي :د. مصطفى محمود .. كتبت مقالتك عن النا&زية في مجلة صباح الخير في الستينات .. كتب يحي الداخلي.
فجلست في المنزل عاما كاملا .. ♦ د.مصطفى محمود :من الأشياء الغريبة التي صادفتني في حياتي أن أكتب عن هت&لر فيرفدني عبد الناصر عاما ! • محمود فوزي :هل السبب الرئيسي هو مقالتك الشهيرة هت$لر و النا&زية ، أم أن هناك سببا خفيا آخر؟ .. و كيف بلغت بقرار إيقافك ؟ ♦ د.مصطفى محمود : بعد أن كتبت مقالة عن هت&لر .. فوجئت بإيقافي عن الكتابة مباشرة .. لم يقل لي أحد عن سبب منعي من الكتابة ،و لكني بلغت من إحسان عبد القدوس ، قال لي يومها : – خليك في البيت ما تكتبش ! – قلت له : إيه يا إحسان اللي حصل . – فقال لي : دي أوامر ! و الحقيقة أنني أخذت الموضوع ببساطة لأن الجميع ابتداء من إحسان عبد القدوس إلى مفيد فوزي حصلوا على حصصهم من عبد الناصر ، منهم من سُجن و منهم من رفد و منهم من تعرض لمصاعب كثيرة ، فقلت في نفسي .. إن حظي أفضل من غيري فقد منعت من الكتابة فقط . •محمود فوزي : د . مصطفى محمود .. بعد هذا العام استدعاك هيكل إلى مكتبه .. و قال لك : ها .. إنت استويت ؟ .. لماذا قال لك ذلك ؟ هل كنت لحمة مشوية ؟ ♦ د.مصطفى محمود :و ضحك مصطفى محمود قبل أن يقول : قال لي هذا فعلا حين دخلت عليه مكتبه .. قال لي : ها أنت استويت ؟ و يبدو أنهم كانوا يريدون أن يسووني و يرعبوني ! • محمود فوزي :سألت هيكل لماذا مُنعت من الكتابة عاما فبماذا أجاب عليك ؟ ♦ د.مصطفى محمود :كانت إجابته.. لا تفكر في شئ .. ارجع اكتب و خلاص . و لم يتحدث في هذا الموضوع مطلقا .. فأنا قلت له : أريد أن أعرف غلطتي حتى لا أعود إليها .. ما الغلطة الي ارتكبتها ؟ قال لي : لا تفكر .. ارجع و اكتب تاني .
• محمود فوزي :د. مصطفى محمود .. و هل من أجل ذلك هاجمت عبد الناصر في مقالتك الأخيرة ” سقوط اليسار ” , التي نُشرت منذ أسابيع قليلة و التي قلت فيها أنه قدم 50 % رشوة للعمال و الفلاحين و أنه حوّل الجامعات إلى كتاتيب ؟! ألست متجنيا على عبد الناصر ؟ أليست له حسنات و إيجابيات في نفس الوقت ؟ ♦ د.مصطفى محمود : سبحان من يحصي على أحد أخطاءه و حسناته .. لكن أنا أرى أن أخطاء عبد الناصر أكثر كثيرا من حسناته .. افرض أنك بنيت سدا و لكنك هدمت إنسانا .. ما الفائدة إذن ؟ ليس هناك أي شئ في هذا الوجود يساوي أن تهدم الشخصية المصرية و تهدم الإنسان . و إذا كنا بصدد الحديث عن الإنشاءات , فإنه في عهد الرئيس حسني مبارك , و من قبله الرئيس السادات , أُنشئت مدن كاملة و مجموعة من الإنشاءات .. و كذلك محطات الكهرباء التي أنشأها ماهر أباظة و مشاريع المجاري هذا فضلا عن البنية الأساسية .. ألا يمثل كل ذلك إنشاءات تفوق السد العالي عشرات المرات بل لها تأثير مباشر على حياتنا دون أن يسجن فرد.. أم أنه لابد من إنشاء سد عال ، ثم في مقابل ذلك نهدم الشخصية المصرية . • محمود فوزي :بعد 30 عاما من إنشاء السد العالي هل يــــرى د. مصطفى محمود أنه كان خيرا على مصر أو وبالا عليها ؟! ♦ د.مصطفى محمود : بلا شك السد العالي مشروع حيوي و ضروري لتنظيم مياه النيل . و السدود موجودة في السعودية الآن أكثر من 20 سدا على امتداد المملكة ، و حجمهم يفوق السد العالي 4 أو 5 مرات مثل سد أبها في الجنوب . الإنشاءات موجودة في العالم كله ، و أبلغ دليل على ذلك هت&لر الذي أنشأ الأتوستراد و التصنيع الألم&اني الخرافي حتى وصل إلى الفي تو الذي يضرب الصوا&ريخ فتصل إلى قلب لندن .. و لكن ماذا حدث في النهاية ؟ ضرب الأحذية !! فما الفائدة أن تبني منشآت حديد و صلب ثم تدمر الناس ؟ هذه هي القضية ؟ فأنا أضع المصنع في كفة , و الإنسان في كفة أخرى و لا شئ أغلى من الإنسان أبدا . • محمود فوزي :د. مصطفى محمود .. ما هو مصدر الدخل الذي كنت تعتمد عليه أثناء منعك من الكتابة ؟! ♦ د.مصطفى محمود :حمدت الله أيامها على أنه كان لي عدة كتب حققت توزيعا كبيرا , و بالطبع فإنني كنت أعتمد عليها كدخل ثابت .. ثم اشتغلت بالمسرح فكتبت في هذا العام 3 مسرحيات : الزلزال و الإنسان والظل و الإسكندر الأكبر . • محمود فوزي :معظم هذه المسرحيات تتناول الديكتاتورية بصورة أو بأخرى .. فهل حاولت أن تمسرح الديكتاتورية ؟! ♦ د.مصطفى محمود :هذا بالفعل ما حدث .. فهو مسرح القوة لقد حاولت مسرحة الأزمة وقتها .. و برهانا على صدق كلامك فإنك تحس بالحرارة , بالذات في هذه المسرحيات الثلاث من مسرحياتي .. لأنها خرجت في صدق نفسي . • محمود فوزي :ماذا كان إحساسك في فترة إيقافك عن الكتابة ؟! ♦ د.مصطفى محمود : كان إحساسي الصادق أيامها أن كل أفعال عبدالناصر كانت خطأ , و أن ثماره التي سيجنيها في النهاية سيكون عواقبها وخيمة . بعد منعي من الكتابة بحوالي عام تدخل و توسط الشاعر الكبير كامل الشناوي بل و فكر الطبيب الكبير أنور المفتي الذي كان يعالج عبدالناصر شخصيا في التحدث إليه بشأني و قال لي : لقد فكرت جديا يا مصطفى حينما علمت بمنعك من الكتابة أن أتحدث إلى عبد الناصر الذي أُشرف على علاجه يوميا و فكرت أن أتحدث إليه فعلا لولا أن عبد الناصر للأسف الشديد لديه عيب فظيع جدا .. إذا طلب منه أحد المقربين شيئا . فقد طلب منه حلاقه الخصوصي طلبا فرفده في اليوم نفسه و أتى بغيره في اليوم التالي ، لأنه كان يتصور بالحديث إليه أنه مقصر و أنه أتى فعلا خطأ فادحا بإبعاد فلان و إيقافه عن العمل فلما يأتي هذا من طبيبه الخاص فسوف يترتب على ذلك إبعادي عن عملي ! سوف يبعدني عن وظيفتي كطبيب خاص له مثلما أبعد حلاقه الخاص. عبد الناصر يمكن أن يوديني في داهية لو تحدثت إليه بشأنك . فقلت للدكتور أنور المفتي : إلى هذه الدرجة ؟! فرد علىّ الكتور أنور المفتي بمفاجأة مذهلة قال لي بالحرف الواحد : عبد الناصر مريض بجنون العظمة !! جنون العظمة و عنده عصبية غير عادية!! و خطورة هذا التصريح أنه من طبيب عبد الناصر الخاص ! و بعد ذلك بسنوات مات الدكتور أنور المفتي فجأة و قيل كلام كثير .. زوجته قالت ليلة موته أنه نظر في المرآة و قال : ” لن أعيش أكثر من 8 ساعات ! “ لأنه وجد بقبق على عينيه يتحرك .. و هذا دليل تسمم ! .. زوجته قالت هذا في التحقيق .. و هناك كلام كثير بخصوص أنور المفتي و هل مات موتا طبيعيا أم قتل ؟ • محمود فوزي :و أيهما ترجح أنت شخصيا خاصة أنك من أقرب المقربين للدكتور أنور المفتي ؟ ♦ د.مصطفى محمود :و الله بعد أن قال الدكتور أنور المفتي : أن عبد الناصر عنده جنون عظمة .. أعتقد أن هذه العبارة وصلت لعبد الناصرفإن أنور المفتي في هذه الحالة لم يمت و لكنه قتل !! و أنت تعلم بالطبع اعترافات صلاح نصر في التحقيقات بأنه كان لديه سموم قاتلة لا يستعملها إلا بأمر من الرئاسة فإذا تسرب هذا القول عن طريقك أنت ؟! • محمود فوزي :و لماذا لا يكون هذا الكلام تسرب عن طريقك أنت ؟! ♦ د.مصطفى محمود :لا .. ليس عن طريقي و لكن من الجائز أن يكون قد تسرب عن آخر .. و لو وصل لعبد الناصر مثل هذا الكلام لأصبح دليلا على مقتل أنور المفتي خاصة في ظل أقوال زوجته في التحقيقات و التي أكدت مقتله بالسم! المهم أن كامل الشناوي قد توسط لدى هيكل .. فهو الوسيط الوحيد . • محمود فوزي :و لماذا هيكل هو الوسيط الوحيد لدى عبد الناصر ؟ ♦ د.مصطفى محمود : هيكل هو الوحيد الذي له مدخل على عبد الناصر .. و أنا اعتقد أن الاشتراكية نفسها خرجت من هيكل .. و الميثاق الوطني كلام هيكل .. و عبد الناصر لم يكن يفهم كل هذا الكلام , فهذه هي أفكار هيكل .. و لهذا كان اعتقاد هيكل بأنه الوريث الشرعي للحكم بعد موت عبد الناصر .. لأنه هو الذي صعد كل هذه الأفكار .. و هو صانع الاشتراكية .. فأنا أؤكد أن صانع خرافة الاشتراكية ليس عبد الناصر و لكنه هيكل .. فعبد الناصر لم يكن لديه وقت يقرأ فيه أو يعرف شيئا عن كل هذه الأفكار و لم يكن يعرف ماركسية و لا كل هذه الأفكار . •محمود فوزي : هل كان هيكل من وجهة نظرك الحاكم الفعلي لمصر من وراء الستار ؟ ♦ د.مصطفى محمود :كان هو الحاكم الفعلي , و كان وراء كل هذه الاتجاهات التي حدثت ابتداء من الاتجاه الاشتراكي حتى كل الأحداث التي عشناها .