الحمد لله له الحمد في الأولى والآخرة، أحمده وأشكره على نعمه الباطنة والظاهرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، هدى بإذن ربه القلوب الحائرة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه نجوم الدجى والبدور السافرة، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد أيها المصريون ينبغي أن نقف صفاّ واحدا في وجه أي محتل غاصب يريد أن ينهب ثرواتنا وخيراتنا ويحتل بلادنا مهما كلفنا ذلك من نفس ومال وأي تضحيات، فالله يشتري من النفس والمال مقابل جنة عرضها السماوات والأرض، فالموت من أجل الدفاع عن الدين والأرض شهادة في سبيل الله تعالى، واعلموا أنه إتصفت الشخصية اليهودية بخصائص وطباع مختلفة عن البشر تماما، ولقد كثر ذكرهم في القرآن الكريم وذلك للعلم بهم ومعرفتهم.
وقطع الطريق على من يحاولون تحسين صورتهم، والتعايش معهم، والتدليس على الناس بقلب الحقائق، لأن القرآن يكشف ذلك ويوضحه، وهو محفوظ لا يستطيع أحد أن يمحوه أو يبدله، وتحذير الناس من سلوك مسلكهم، والإتصاف بصفاتهم لئلا يصيبهم ما أصابهم، فإن سنن الله تعالى لا تحابي أحدا من خلقه، وتحذير المؤمنين من حيلهم ومكايدهم، وفضح تزويرهم وتلبيسهم، ودحض براهينهم وحججهم، وكشف شبهاتهم التي يحاولون بها لبس الحق بالباطل، وأيضا كشف تحريفهم لكتبهم، وتغييرهم لدينهم حسب أهوائهم لئلا يغتر بهم غيرهم أو يقلدهم في فعلهم، فمن هذه الطباع هو العناد والتمرد، ولقد كان إبتلاء نبي الله موسى عليه السلام باليهود، ابتلاء عظيما، فإنهم في نفس الوقت الذي كانوا يعترفون له بالنبوة، ويرون منه الآيات، لا يصدّقون كلامه، لا خفاء فحسب.
بل كانوا يجهرون بذلك جهرا، ومن ذلك أن نبي الله موسى عليه السلام حين أخبرهم بأن الله سبحانه، يناجيه ويتكلم معه، أنكر جماعة منهم، وقالوا إنا لا نصدق قولك وكيف يمكن أن يتكلم الله معك؟ ولن نؤمن إلا إذا سمعنا نحن كلام الله، فاذهب بنا إلى الطور، حتى نسمع نحن كما تسمع أنت، وأجازه الله سبحانه في ذلك، وقد كان الطالبون لهذا الأمر سبعين ألفا فاختار نبي الله موسى منهم سبعة آلاف، ثم إختار منهم سبعمائة، ثم إختار منهم سبعين رجلا، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى عليه السلام إلى الطور، وسأل الله سبحانه وتعالى أن يكلمه ويسمع القوم كلامه، فإستجاب الله تعالى دعاءه، وكلم موسى عليه السلام بحيث سمع السبعون كلام الله تعالى، ولم يكن لكلامه إتجاه خاص كما يكلم أحدنا صاحبه بل جاء كلامه من فوق ومن تحت.
ومن اليمين واليسار، ومن الخلف والأمام، فإنه تعالى لا يتكلم باللسان، ولا له جهة خاصة وإنما يلقي الكلام في الفضاء، ولذا يحيط الكلام بالسامع، ولمّا سمعوا كلامه سبحانه، قالوا لا نصدق أن هذا كلام الله، فيجب أن نرى الله عيانا حتى نؤمن بك، وأنك كليم الله ونبيه، وحيث تمت عليهم الحجة ولم يبق إلا العناد، أرسل الله تعالي صاعقة أرجفتهم وأهلكتهم جميعا، لكن نبي الله موسى عليه السلام، خاف أن يقول بنو إسرائيل إنك لم تكن تقدر على إسماعهم كلام الله تعالي، ولذا قتلتهم ومن هذه الجهة طلب من الله سبحانه أن يحييهم، فإستجاب الله سبحانه دعاءه وأحيا السبعين، فرجعوا مع موسى عليه السلام، وأخبروا بني إسرائيل بالقصة كلها، وحين نزول الصاعقة فلما أخذتهم الرجفة التي أحدثتها الصاعقة قال نبي الله موسى عليه السلام يا رب كيف تهلكهم الآن؟
فإن بني إسرائيل يتهمونني بقتلهم، ولو شئت إهلاكهم بسبب عنادهم، لكنت أهلكتهم من قبل وإياي فإني لا مانع لي من أن تهلكني إذا اقتضت مشيئتك ذلك، فإستجاب الله تعالي دعاء سيدنا موسى في إحيائكم يا معاشر اليهود، فيقول تعالي ” ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ” ولم يكن كلام نبي الله موسى عليه السلام حول إهلاك الله تعالي اليهود إعتراضا، وإنما ضراعة ودعاء كما أنه سبحانه لم يبد له في إحيائهم بعد أن لم يعلم، تعالى عن ذلك وإنما عاقبهم حسب عصيانهم، ثم أحياهم حسب المصلحة، وإستجابة لدعاء نبيه العظيم موسى عليه السلام، وليزيد حجة على حجة، فهذه طبيعة اليهود التمرد والعناد وعدم الحياء من الله تعالى، فإن السبعين نفرا الذين بعثوا بعد الموت، بدعاء الكليم موسي عليه السلام، لم ينفكوا عن عنادهم وتماديهم في الغيّ، بل طلبوا من كليم الله موسى عليه السلام أن يطلب من الله تع