مقال

معركة ذات السلاسل “جزء 4”

معركة ذات السلاسل “جزء 4”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع معركة ذات السلاسل، وهو البطل المغوار القعقاع بن عمرو، صنو خالد في البطولة والشجاعة، فخرج من بين الصفوف مسرعا، وانقض كالأسد الضاري على مجموعة الغدر فقتلهم جميعا، وفي نفس الوقت أجهز خالد بن الوليد على الخائن هرمز وذبحه كالنعاج، وكان لذلك الأمر وقعا شديدا في نفوس الفرس، حيث انفرط عقدهم، وانحل نظامهم لمقتل قائدهم، وولوا الأدبار، وركب المسلمون أكتافهم، وأخذوا بأقفيتهم، وقتلوا منهم أكثر من ثلاثين ألفا، وغرق الكثير في نهر الفرات، وقتل المربطون بالسلاسل عن بكرة أبيهم، وكانت هزيمة مدوية على قوى الكفر وعباد النار، وفر باقي الجيش لا يلوى على شيء، ولم تنته فصول المعركة عند هذا الحد، فمدينة الأبلة لم تفتح بعد، وهناك جيوش قوية ترابط بها للدفاع عنها.

 

 

حال هزيمة جيوش هرمز وقد كانت، ووصلت فلول المنهزمين من جيش هرمز وهى في حالة يرثى لها من هول الهزيمة، والقلوب فزعة ووجلة، وانضمت هذه الفلول إلى جيش قارن بن قرباس المكلف بحماية مدينة الأبلة، وقد أخبروه بصورة الأمر فامتلأ قلبه هو الآخر فزعا ورعبا من لقاء المسلمين، وأصر على الخروج من المدينة للقاء المسلمين خارجها، وذلك عند منطقة المذار، وإنما اختار تلك المنطقة تحديدا لأنها كانت على ضفاف نهر الفرات، وكان قد أعد أسطولا من السفن استعدادا للهرب لو كانت الدائرة عليه، وكانت فلول المنهزمين من جيش هرمز ترى أفضلية البقاء داخل المدينة والتحصن بها، وذلك من شدة فزعهم من لقاء المسلمين في الميدان المفتوح، وكان القائد المحنك خالد بن الوليد يعتمد في حروبه دائما على سلاح الاستطلاع.

 

الذي ينقل أخبار العدو أولاً بأول، وقد نقلت له استخباراته أن الفرس معسكرون بالمذار، فأرسل خالد للخليفة أبو بكر يعلمه بأنه سوف يتحرك للمذار لضرب المعسكرات الفارسية هناك ليفتح الطريق إلى الأبلة، ثم انطلق خالد بأقصى سرعة للصدام مع الفرس، وأرسل بين يديه طليعة من خيرة الفرسان، يقودهم أسد العراق المثنى بن حارثة، وبالفعل وصل المسلمون بسرعة لا يتوقعها أحد من أعدائهم، وعندما وصل المسلمون إلى منطقة المذار أخذ القائد خالد بن الوليد يتفحص المعسكر، وأدرك بخبرته العسكرية، وفطنته الفذة أن الفزع يملأ قلوب الفرس، وذلك عندما رأى السفن راسية على ضفاف النهر، وعندها أمر خالد المسلمين بالصبر والثبات في القتال، والإقدام بلا رجوع، وكان جيش الفرس يقدر بثمانين ألفا، وجيش المسلمين بثمانية عشر ألفا.

 

وميزان القوى المادي لصالح الفرس، وخرج قائد الفرس قارن وكان شجاعا بطلا، وطلب المبارزة من المسلمين فخرج له رجلان خالد بن الوليد وأعرابي من البادية، لا يعلمه أحد، اسمه معقل بن الأعشى الملقب بأبيض الركبان لمبارزته، وسبق الأعرابي خالدا، وانقض كالصاعقة على قارن وقتله في الحال، وخرج بعده العديد من أبطال الفرس وقادته فبارز عاصم بن عمرو القائد الأنوشجان فقتله، وبارز الصحابي عدى بن حاتم القائد قباذ فقتله في الحال، وأصبح الجيش الفارسي بلا قيادة، وكان من الطبيعي أن ينفرط عقد الجيش الفارسي بعد مصرع قادته، ولكن قلوبهم كانت مشحونة بالحقد والغيظ من المسلمين، فاستماتوا في القتال على حنق وحفيظة، وحاولوا بكل قوتهم صد الهجوم الإسلامي ولكنهم فشلوا في النهاية تحت وطأة الهجوم الكاسح.

 

وانتصر المسلمون انتصارا مبينا، وفتحوا مدينة الأبلة، وبذلك استقر الجنوب العراقي بأيدي المسلمين، وسيطروا على أهم مواني الفرس على الخليج، وكان هذا الانتصار فاتحة سلسلة طويلة من المعارك الطاحنة بين الفرس والمسلمين على أرض العراق كان النصر فيها حليفا للمسلمين في جملتها، وانتهت بسقوط مملكة عباد النار، وفى حق الشهداء فى سبيل الله، يقول الله تعالى في سورة آل عمران “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين” ويقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، عندما سئل أي العمل أفضل ؟ فقال ” إيمان بالله ورسوله ” قيل ثم ماذا ؟ قال ” الجهاد في سبيل الله ” رواه البخارى ومسلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى