مقال

نفحات إيمانية ومع الإحسان إلى الجار ” جزء 1″

نفحات إيمانية ومع الإحسان إلى الجار ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

إن من الإحسان إلى الجيران هو سلامة القلب عليهم، وحب الخير لهم، ففي البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه” وفي هذا تأكيد حق الجار، وأن الذي لا يحب لجاره ما يحب لنفسه من الخير فإنه ناقص الإيمان، وفي هذا غاية التحذير ومنتهى التنفير عن إضمار السوء للجار قريبا كان أو بعيدا، فاتقوا الله تعالى حق التقوى، والتمسوا من الأعمال ما يحب الله ويرضى، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنه يسمع ويرى، وإياكم والطغيان واتباع الهوى وإيثار الحياة الدنيا، فإنه بذلك هلكت القرون الأولى، فاتقوا الله وأحسنوا إلى جيرانكم.

 

فامروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، ابذلوا لهم الخير ما استطعتم، وردوا عنهم الشر ما ملكتم، تلطفوا إليهم بالهدية والزيارة، فإن لم تجدوا خيرا تبذلونه فلا أقل من كف الشر عنهم، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم اليوم قبل الوقوف بين يدي الله تعالى فهو سبحانه القائل فى كتابه كما جاء فى سورة البقرة ” واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون” وإن من أكثر الأمثال الشعبية رواجا بين الناس في الجيرة قولهم “الجار قبل الدار” وقيل أنه كان أبو الأسود الدؤلي واسع الحكمة والعلم وهو من نقط حروف اللغة العربية، وقيل أن لأبي الأسود دار باعها ورحل عنها فسأله سائل “بعت دارك؟” فأجاب “بعت جاري ولم أبع داري”

 

أي أنه باع منزله لأن له جار سيء ينغص عليه مسكنه، فالبيوت كما يقال بجيرانها، وقد أصبحت مقولة الدؤلي مثلا يردده الناس في الظروف المماثلة فيقال “بعت جارى ولم أبع دارى” وقيل أن رجلا أراد أن يبيع بيته لضيق حاله وطلب ألف دينار ثمنا له، فقال له أحدهم أن البيت لا يستحق هذا الثمن بل نصفه، فأجاب “بلى البيت لا يستحق أكثر من خمسمائة دينار، لكني أبيعه بألف، خمسمائة دينار ثمن البيت وخمسمائة دينار ثمن جوار أبي دلف، وقيل فى أمثال الجيرة والجيران “الجار ولو جار” ويقصد بها أن الجار وإن كان سيء أحيانا فإنه يحافظ على أهميته في حياتنا، وقيل أيضا “حسن الجوار عمارة الديار” فإن الجار الجيد هو ما يجعل البيت جيدا والعكس صحيح.

 

وقيل أيضا “لا ينفعك من جار سوء توق” أي أن جار السوء مهما اتقيت شره لا ينفعك معه ذلك، فهو الأقدر على إلحاق الأذية بك من غيره، ويقال فى المثل أيضا “كومة حجار ولا هذا الجار” وهى تقال إذا كان الجار سيء الخلق والجوار، وقيل أيضا “صباح الخير يا جاري أنت في دارك وأنا في داري” وهى تقال في حال لم تكن العلاقة بين الجيران في أحسن حالاتها، فيكتفي الجار بالسلام على جاره فقط، وقيل أيضا “إذا جارك حلق لحيته بلّ لحيتك” وهى تقال للدلالة على وحدة الحال فإذا أصاب الجار أمرا لا بد أن يلحق بجاره، وقيل أن لقمان الحكيم قال “حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أحمل شيئا أثقل من جار السوء” وإنه لا تنتهي حقوق الجار على جاره.

 

بحسن المعاملة وتجنب الأذى فقط، بل لا يجوز أن يكون الجار في محنة دون أن نمد له يد العون، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم”ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم” وإنه تتحكم الجيرة بالكثير من تفاصيل الحياة، فهى ليست قيمة الجيران أمرا عبثيا، ولم يأتي ذكرها في التراث الشعبي أو الديني من منطلق ذكر الشيء فحسب إنما للجار من المميزات ما يجعله مؤثرا على الحياة اليومية لجيرانه، فالجار هو المطلع على الخصوصيات والعارف بالزلات والنواقص، فإذا كان كتوما أمينا سلم جيرانه من لسانه وحفظت أسرارهم في صدره، أما إذا كان مجاهرا بأمور جيرانه سيسبب الإحراج لهم بإفشاء أسرارهم، وكما أن بين الجيران مرافق مشتركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى