أخبار عربية

سيناريوهات حول الحرب بين إسرائيل وإيران

بداية حرب عالمية ام مناوشات قديمة؟

 حول الحرب بين إسرائيل وإيران

  دكتور/ رأفت علي الدرس

     * تأتي المواجهة العسكرية الحالية بين إسرائيل وإيران لتمثل حلقة محورية وتصعيدية في الصراع الدائر بين الدولتين منذ عام 1979؛ فقد ترسخ هذا الصراع منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، وما استتبع ذلك من عداء أيدولوجي قام على اعتبار إسرائيل العدو الأول لإيران، واعتبار إيران المُهدد الإستراتيجي لإسرائيل.

     ومر هذا العداء بمراحل عديدة شهدت صراعًا بالوكالة وحروبًا استخباراتية تمثلت في الدعم الإيراني للمقاومة في فلسطين ولبنان، مما كان له أثرًا كبيرًا في تأجيج العدواة مع إسرائيل، وكذلك إعلان إيران عن أنشطتها النووية، وما تبع ذلك من ممارسة إسرائيل لمجموعة من الضغوط الدبلوماسية والهجمات السيبرانية.

     كما توترت الأجواء مع محاولات الوجود الإيراني في سوريا، واستخدام إيران للأراضي السورية من أجل نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان، ثم اتهام إسرائيل لإيران بدعم حماس في هجوم 7 أكتوبر 2023.

     هذا مرورًا بقيام إيران بإطلاق مجموعة من الصواريخ والطائرات المُوجهة ضد إسرائيل بعد استهداف الأخيرة لقنصليتها في دمشق وقيامها بهجمات أسفرت عن مقتل حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله وعدد من قادة الحزب البارزين، حيث اتجه الصراع نحو مستويات أعلى من الشدة والعنف، وصولاً إلى هذه المواجهة الأخيرة التي شهدت، ومازالت تشهد، تصعيدًا ملحوظًا بين الدولتين.

     ففي يوم الجمعة الموافق 13/6/2025، كانت بداية الصراع الإسرائيلي الإيراني، حيث قامت إسرائيل بإطلاق حملة واسعة النطاق ضد إيران عُرفت باسم “عملية أسد الصاعد Operation Rising Liom” استهدفت مواقع نووية وعسكرية، وقادت شبكتها الاستخباراتية لمهاجمة بنى تحتية داخلية وكذا قادة عسكريين في الحرس الثوري والجيش (سلامي – بحيري – رشيد – حاجي زادة). وفي نفس الليلة، قامت إيران بالرد بـ “عملية وعد الصادق 3” من خلال قصف صاروخي بالطائرات المُسيرة على إسرائيل، حيث أطلقت حوالي 150 صاروخًا باليستيًا و100 طائرة موجهة دون طيار.

     ولما كان الهدف الإسرائيلي من هذا الهجوم هو عرقلة البرنامج النووي الإيراني واستنزاف قدراته العسكرية، بما في ذلك شبكتها الصاروخية والقيادية العليا، حددت إيران أهدافها في ردع الكيان الإسرائيلي وتعويض ضرباته عبر صواريخ باليستية وطائرات مُسيرة، لكن دون توغل بري مباشر خشية مواجهة أمريكية.

     وبذلك، قامت إسرائيل بتنفيذ ضربات جوية مركزة من جميع القواعد/ المطارات على طهران وأهداف في إيران، مع إغلاق جزئي للسفارة الأمريكية في القدس، ورصد تحرك السفن الحريبة الأمريكية من الخليج تمهيدًا للتدخل أو إحداث حالة من الردع المُحتمل، في حين قامت إيران بإطلاق موجات من الصواريخ الباليستية والطائرات المُوجهة دون طيار وكذلك صواريخ فتاح على المدن الإسرائيلية، وشهدت نزوحًا مدنيًا كبيرًا غير مسبوق في طهران لجميع المدنيين لاحتمال حدوث ضربات جوية إسرائيلية جديدة.

     وقد تكبدت إيران خسائر كبيرة في صراعها مع إسرائيل من وفيات وإصابات بين المدنيين والقيادات العسكرية والعلمية، وكذلك خسائر مادية طالت المنشآت العسكرية والبنى التحتية، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية والإستراتيجية والمعنوية. كما دخلت إسرائيل رحلة مكثفة وخطيرة مع خسائر ملموسة على صعيد الأرواح والبنى التحتية والاقتصاد.

 

    السيناريوهات المُتوقعة:

     وفي هذا الصدد، تتعدد السيناريوهات المُتوقعة لهذا الصراع؛ يتمثل السيناريو الأول منها في التصعيد المحدود الذي يعقبه اتفاق دبلوماسي، في حين يتمثل السيناريو الثاني في التصعيد الشامل والصراع الممتد، ويتحدد الثالث في سقوط النظام الإيراني.

     نظرًا لوجود عوامل مؤثرة على هذه السيناريوهات، تتمثل في قدرات الأطراف المتحاربة ومواقف القوى الإقليمية والدولية المختلفة، نستبعد السيناريو الثالث القائل بسقوط النظام الإيراني، ونرى إمكانية تحقيق السيناريو الأول الذي يفترض وجود تصعيد محدود يعقبه اتفاق دبلوماسي، وكذلك السيناريو الثاني الذي يفترض التصعيد الشامل والصراع المُمتد مع احتمالية استخدام إيران لأسلحة غير تقليدية.

      فيما يتعلق باحتمالية تحقيق السيناريو الأول، نرى دلائل ومؤشرات منها إبداء تحفظ من جانب الولايات المتحدة الأمريكية للانخراط في الحرب، ومحاولة القوى الدولية والعربية الوساطة، حيث توجد مصالح روسية وصينية في المنطقة، كما تخشى الدول العربية من التأثر اقتصاديًا وأمنيًا، وبالتالي قد تتوسط هذه الدول من أجل بدء المفاوضات بشأن وقف التصعيد والتوصل إلى اتفاق جديد يقضي بمنع الانتشار النووي.

     وفيما يتعلق بإمكانية تحقيق السيناريو الثاني، فقد تشهد الأوضاع توترات غير مسبوقة، حيث استطاعت إيران أن تثبت لدول المنطقة والعالم قدرتها العسكرية الهجومية وليست الدفاعية فحسب، كما وجهت بذلك رسالة تفيد بقدرتها على مواجهة إسرائيل. ويفترض هذا السيناريو دخول قوى إقليمية ودولية في الصراع، مع احتمالية استخدام إيران لأسلحة غير تقليدية، مثل الأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية، وتشكيل تحالف بين إيران وقوى إقليمية، مثل الميليشيات العراقية والحوثيين، وقوى دولية مثل الصين وروسيا وباكستان، وهو ما سيقابله بالطبع تحالف مضاد، يشمل إسرائيل ودول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. ويعني هذا السيناريو تصاعد الصراع واتساعه، بما قد يضر أيضًا بدول الخليج إذا قامت إيران بتوجيه ضرباتها للقواعد الأمريكية فيها. ونرى أن هذا سيناريو خطير ينذر بتداعيات إقليمية ودولية سلبية وعواقب وخيمة.

     ومع وجود احتمالية لحدوث هذين السيناريوهين بشكل قد يكون متساويًا، بسبب التداعيات السريعة للأحداث وعدم استقرار الأوضاع، فإننا نأمل أن يتحقق السيناريو الأول، وأن يكون الصراع محدودًا ينتهي بعقد اتفاق دبلوماسي ينال رضا الأطراف المتحاربة ويحقق الهدوء في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى