اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة … فما من مخلوق إلا وسيرتدي الكفن ، وما من جسد إلا وسينام تحت التراب ، فهل أعددنا لذلك اللقاء ….؟
يا عبد الله ، ما الذي أغراك؟ تسابقْتَ على الدنيا ولهثت خلف السراب ، جمعتَ المال كأنك خُلقْتَ لتكنزه ، سهرت الليالي تتبع دراهمها وإنشغلت قلبًا وقالبًا بما لا يدوم. ألهتك زخارف الحياة ولهوها ، تعالت ضحكاتك في مجالس الطرب والكبر والفخر ، تشيّد لك الكراسي والقصور تتغير أقدام الجالسين عليها وأنت لا تزال تظن أن لك الخلود …!
نسيْتَ أن الإنسان طماع بطبعه ، جشِعٌ إن أُعطيَ سأل المزيد ، يسعى خلف الدنيا وكأنها المنتهى ، يحمل قلبًا متخمًا بالهوى لا يشبعه ذهبٌ ولا ألماس ، ولا تغنيه قصور أو جنان أرضية.
نسيْتَ دينك وسنة نبيّك ، هجرت الفرائض والوصايا وإستبدلتها بلهو الدنيا ومباهجها الزائلة. مضيت متبخترًا في الأرض ، ظننت أن ما تملكه من مال وسلطة قد جعلك فوق الخلق ، غاب عنك أنك مخلوق ضعيف لا حول لك ولا قوة وأن الله هو من وهبك العقل ، ومهّد لك الأرض وسخّر لك ما فيها.
رزقك ربك الكريم ، أغناك من فضله لا ليغريك بل ليمتحنك لينظر : أتشكر أم تكفر؟ ولكنك أغواك الغرور ، وتسلّلت إلى قلبك نشوة السلطان فنسيت الموت وعشت كأنك خالد لا تذوق الفناء.
لكن مهلاً … فالموت لا ينسى أحدًا ، يأتيك وإن تهيأت له أو لا ، يتسلل إليك في هدأة الليل ، يترنّح في خطواته ، يمهلك لعلّك تتوب ، يهمس إليك : ” أقترب اللقاء ” فهل أستعددت …؟
كم أمْهلك الله …! أعطاك من العمر سنين ، وفرصًا لا تُعدّ كلما أخطأت ستر ، وكلما زللت غفر ، لعلك تتوب ، لعلك تتدبر ولكنك تماديت …. وها هي أوراق عمرك تتساقط كأوراق الخريف ، وصفحات كتابك قد أمتلأت ، وجاء يوم تُختَم فيه بالحرف الأخير. تحملها الآن على كتفيك ، أوزارًا ثقيلة وذنوبًا لا تُحصى ، فلا مالك معك ولا منصبك ينفعك ولا أحد يُرافقك إلا عملك. كل ما جمعت قد زال ، كل ما فاخرت به اندثر ، لم يبقَ لك إلا قطعة قماش بيضاء تُلفّ فيها وشبرًا من تراب تحت الأرض يُؤويك. وها أنت الآن وحيد … لا ضوء ، لا أنيس ، لا جاه ، لا مُلك …
صمت رهيب يملأ المكان ، وظلام لا يعقبه فجر ، وعظامك بدأت تتحلل ، وروحك تنتظر الحساب. ها هو كتابك يُفتح بين يدي الجبار ، تتلوه الملائكة كل فعل ، كل نظرة- كل كلمة – وكل نية … صفحات لطّختها الذنوب ، وجمل لا تكتمل إلا بذكر الشر ، أعمال كُتبت بماء الغفلة ، لا بالخير ولا بالصلاح.
يتصبب العرق من جبينك ، وركبتاك لا تقويان على الثبات ، رعشة تأكل أطرافك والخوف من عادلٍ لا يُظلم عنده أحد يعصف بقلبك …
فأين تفر ….؟! لا مهرب اليوم ولا عذر يُقبل فالحكم صدر والعدالة الإلهية لا تُؤجّل وجهنّم تفتح لك أبوابها منذ القدم كانت تنتظرك ، غيظها منك قد فاض ، وترحب بك: ” أهلاً وسهلاً هذه نارك ، وهذي كانت دنياك وهذه جزاء من نسي الله ونعماءه .”
فيا من تقرأ الآن ، لم يفت الأوان بعد ، الباب لا يزال مفتوحًا والرحمة أوسع من ذنوبك. تب إلى الله فإن الكفن لا يُفصّل على المقاس ، بل يُنتظر كل حين اللهم أختم لنا بالحسنى ، وأمنحنا نورًا في قبورنا ، ونجاةً من عذابك ، وفوزًا برضاك. ——