ليست الأم مجرّد كلمة تُقال ، ولا شعورًا عابرًا يمضي ، بل هي وطن صغير يحتويك حين يضيق بك العالم ، هي اليد التي تمسح الحزن عن وجهك ، والقلب الذي ينبض بحبك دون شروط. قيل: ” قلب الأمّ كعود المسك ، كلّما أحترق زاد شذاه ” وهل هناك تشبيه أصدق … ؟ ، فكلّما أتعبتها الحياة إزدادت عطاءً وكلّما أثقلتها الأوجاع، إزدادت حنانًا. هي وحدها من تهبك عمرها دون أن تنتظر جزاءً ، تسهر لتنام ، وتجوع لتشبع ، وتتعب لتهنأ كلّ أمّ هي بطلة خفية تصنع المستحيل بصمت ، وتخفي دموعها خلف إبتسامة كي لا تقلقك ، وتبني في قلبها ألف دعاء كي لا يمسك سوء. ” ليس في العالم وسادة أنعم من حضن الأم “، كم صدقت هذه العبارة … ! ففي حضنها ينتهي الخوف ، ويذوب الحزن ويبدأ الأمان. كم من ليالٍ مرّت كنا فيها على حافة الانهيار فأنقذنا حضنها قبل أن تلتقطنا الهاوية ؟ هو حضن لا يشبه سواه دفؤه لا يُقارن ، وسكينته لا تُستبدل.
في غيابها ، يصبح البيت صامتًا كأن الحياة تفتقد نبضها وفي حضورها كلّ شيء ينبض دفئًا. الأم ليست فقط من تنجب ، بل من تحبّ بلا قيد وتعطي بلا مقابل ، وتغفر بلا تردد. قلبُ الأمّ… يا لهذا السرّ السماويّ الذي لا يُفكّ طلاسمه …! قلبٌ الأم … يشتعل وجعًا ليُضيء دروبنا ، يحترق صبرًا ليمنحنا الدفء كعودِ المسك ، كلّما أحترق زاد شذاه وكلّما نزف نبضًا ، فاح حنانًا لا يُضاهى. هي الأم … وطنُ الأرواح ، نبعُ البدايات ، ونهايةُ كلّ تعب. فيها أجتمعت ألوان الحنان ، وسكنت كلّ معاني الرحمة ، لا تطلب لا تشتكي ، لا تنكسر إلا خفية وتمضي في تعبها كأنها خُلقت له ، وتبتسم كأن الحزن لا يطرق بابها.
حين نذبل ، تمدّ كفّها كغيمة تمطر دعاءً ، وتُظلّل خوفنا بالأمان. في ليالي البرد ، لا دثار يُغني عن حضنها ليس في العالم وسادةٌ أنعم من حضن الأمّ ، فهو الأرجوحة التي تأرجح بها قلبك منذ أن خُلق ، وهو الأرض التي لا تزلزلها خيباتك ، بل تزداد ثباتًا كي لا تقع وحين تُرهقنا الحياة ، ونرجو مرفأً لا يسأل ولا يُعاتب ، نعود إليها. لنغرق في حضنها كما يغرق الطفل في حلمه ، نغلق أعيننا، ونطمئن : ما دمنا في حضنها لن يصيبنا سوء. الأمّ ليست فقط نبضًا في الجسد ، بل موسيقى في الروح وريحانًا يعبق في زوايا العمر. نكتب عنها فتضيق بنا الحروف نرسمها فتخوننا الألوان. ونهمس بإسمها… فيبتسم القلب بلا وعي. فيا من نُحبّك حبًا لا يُقال … دمتِ لنا شذى لا ينضب ودثارًا لا يبلى ، ونورًا لا يخفت… دمتِ أمًّا.
فلنُمسك بأيدي أمهاتنا ولنهمس في آذانهن كل يوم ” شكرًا لأنكِ أنتِ … يا من لا تتكررين ولا تُعوّضين.”