الناقد الفني د محمد عبدالله يكتب: ترامب والسياسة سقوط فرضية التوقع وانكشاف هشاشة التحليل
كتب يحي الداخلى
ما يقوم به الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب من تصرفات ومواقف متقلبة ينسف من الأساس فكرة إمكانية التنبؤ بالسلوك السياسي، ويؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن السياسة ليست علمًا دقيقًا تُبنى معادلاته على قوانين ثابتة أو نظريات قطعية، كما هو الحال في الطب أو الهندسة أو القانون أو غيرها من العلوم القائمة على المنهجية والتجريب والبرهان.
فالسياسة في حقيقتها مجال قائم على السلوك وردود الأفعال، لا على الحقائق القطعية. وهي بذلك مفتوحة أمام الجميع، يتحدث فيها المختصون وغير المختصين، على عكس العلوم الدقيقة التي لا يتصدر الحديث فيها إلا أهل التخصص والخبرة.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن ترامب قدَّم درسًا قاسيًا لكل من يُعرفون بـ”اليوتيوبرز السياسيين” الذين يتناولون الشأن السياسي عبر منصات التواصل، اعتمادًا على تقارير إعلامية وتحليلات صحفية، يظنون أنها تقرّبهم من مراكز صنع القرار، بينما هم في الحقيقة بعيدون كل البعد عن الواقع الفعلي لصناعة القرار السياسي وتعقيداته الديناميكية.
لقد قالها ترامب دون أن ينطق بها: “أنا لا يمكن توقّعي”، وبهذا أرسى واقعًا جديدًا مفاده أن السياسة لا تُدار بعقلية المقررات، ولا تُفكّ شفراتها من خلف الشاشات، وإنما بفهم معمّق لسلوك الأفراد والدول والمؤسسات في لحظات التوتر والتحوّل .