في عالم يُفترض أن تحكمه مواثيق أممية واتفاقيات دولية تهدف لحماية الإنسان وكرامته، تبدو ” غزة ” اليوم مرآة تعكس **انهيار القيم الدولية** وانكشاف عورة ما يُسمى بـ”الشرعية العالمية”. أكثر من سبعة عقود من الاحتلال والحصار، وآلاف القتلى من المدنيين، ودمار ممنهج للبنية التحتية، ومع ذلك، لا تزال إسرائيل تُعامل كـ”ضحية أبدية”، بينما يُحمّل الشعب الفلسطيني، لا سيما في غزة، وِزر كل مقاومة مشروعة.
القانون الدولي: مطرقة تُستخدم عند الحاجة
لا تكاد تمر أزمة بين الولايات المتحدة أو حلفائها وبين دولة معارضة – سواء كانت روسيا، إيران، أو حتى فنزويلا – إلا وتُرفع راية القانون الدولي، وتبدأ حملة الضغط بالعقوبات والمحاكمات والتقارير الأممية.
لكن أين هذا القانون حين تُقصف المدارس في غزة؟ حين يُقتل الصحفيون وتُستهدف المستشفيات وتُمنع الإمدادات الطبية؟ لماذا يُلاحق قادة من إفريقيا أو البلقان بتهم “جرائم ضد الإنسانية”، بينما تُحصّن إسرائيل دبلوماسيًا وسياسيًا من أي ملاحقة؟
ازدواجية المعايير: سياسة لا صدفة
الحديث هنا ليس عن “إهمال غير مقصود”، بل عن **سياسة ممنهجة**. القانون الدولي ليس أداة لتحقيق العدالة كما يُسوّق له، بل صار في كثير من الأحيان سلاحًا سياسيًا موجّهًا ضد أعداء الغرب، ومظلة حماية لحلفائه.
حين اجتاحت روسيا أوكرانيا، تحرك العالم بأسره – بسرعة غير مسبوقة – لفرض عقوبات وتقديم دعم عسكري ومالي هائل. أما عندما تُجتاح غزة وتُقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، فلا نجد سوى بيانات “القلق العميق” والدعوات إلى “التهدئة من الطرفين”، كأنما هناك توازن بين الضحية والجلاد.
الإعلام الغربي: شريك في الجريمة
لا تكتمل معادلة الازدواجية دون الإعلام الغربي، الذي غالبًا ما يُبرر العدوان الإسرائيلي بوصفه “دفاعًا عن النفس”، بينما يُجرّم أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، حتى ولو كانت احتجاجات سلمية. يغيب السياق، وتُمحى جذور الأزمة، ويُقدّم المشهد وكأنه صراع بين طرفين متكافئين، لا بين محتل وشعب تحت الحصار.
المقاومة الفلسطينية: بين التجريم والتجاهل
المفارقة العجيبة أن نفس الدول التي تمدح مقاومة الأوكرانيين وتسلّحهم وتحتفي بشجاعتهم، تجرّم المقاومة الفلسطينية وتُصنفها إرهابًا، رغم أن القانون الدولي يُجيز مقاومة الاحتلال. فهل هناك مقاومة “نبيلة” وأخرى “إرهابية” حسب هوية المُحتل؟
وختاماً
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، بل فضيحة قانونية وأخلاقية كبرى. ازدواجية المعايير لم تعد مجرد اتهام سياسي، بل أصبحت حقيقة موثقة تُهدد بانهيار منظومة العدالة الدولية ذاتها. وإذا لم يُصحح هذا الانحراف الخطير، فستفقد المؤسسات الدولية ما تبقى من شرعيتها، ويُفتح الباب واسعًا أمام منطق الغابة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت القوة.