تحليلات اخباريه
(الحرب التجارية الأمريكية على الصين وإحتمالية وقوع حرب عالمية ثالثة بسببها)
جريدة الأضواء المصرية

ترجمة تحليلى الدولى الهام باللغة الإنجليزية من موقع (المودرن دبلوماسى) للتحليلات السياسية العالمية… بعنوان:
(الحرب التجارية الأمريكية على الصين وإحتمالية وقوع حرب عالمية ثالثة بسببها)
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
تعددت العديد من التفسيرات حول مدى إحتمالية وإمكانية تراجع “ترامب” عن الحرب الإقتصادية مع الصين، ومن سيصمد للنهاية ومن الأقوى وهل الصين بإمكانها الصمود، وهل يمكن أن تؤدى تلك التوترات فى العالم إلى حرب عالمية ثالثة.
يجب أن نضع فى الإعتبار مدى تأثير الحرب التجارية الأمريكية على الصين على مجمل حركة التجارة والإقتصاد والإستثمار العالميين، خاصةً إذا ما علمنا بأن الولايات المتحدة والصين تشكلان معاً حصة كبيرة من الإقتصاد العالمي، تقدر بـ ٤٣%، وفقاً لإحصائيات صندوق النقد الدولى. لذا يتوقع بأنه إذا ما إنخرطت الدولتان فى حرب تجارية شاملة ستؤدى لتباطئ نموهما، وتدفعهما إلى الركود وبالتالى تباطئ النمو الإقتصادى العالمى بسببهما، فمن المرجح أن يلحق ذلك الضرر بإقتصادات الدول الأخرى من خلال تباطؤ النمو العالمى، ويرجح أن يعانى الإستثمار العالمى بسبب حربهما التجارية، فضلاً عن عواقب محتملة أخرى. وهنا وصف وزير الخارجية الصينى “وانغ يى” رفع الرسوم الأمريكية على السلع الصينية، بأنه غير مبرر. وبرأيه، فإن هذه الإجراءات ستلحق الضرر بالأسواق العالمية وتسئ إلى سمعة القيادة فى واشنطن نفسها. كما حذر “وانغ يى” من رد حاسم إذا لم توقف الولايات المتحدة الضغط الإقتصادى على الصين.
وهنا تعد الصين أكبر دولة صناعية فى العالم، وتنتج أكثر بكثير مما يستهلكه سكانها. وتحقق بالفعل فائضاً فى السلع يقارب تريليون دولار، ما يعنى أن الصين تُصدر سلعاً إلى بقية العالم أكثر مما تستورد. وكثيراً ما تنتج الصين هذه السلع بأسعار أقل من التكلفة الحقيقية، بفضل الدعم المحلى والمالى الحكومى الصينى، كالقروض الميسرة، للشركات الحاصلة على إمتيازات حكومية. ويعد الصلب مثالاً على ذلك. وهنا يوجد خطر يتمثل فى أنه إذا تعذر دخول هذه المنتجات إلى الولايات المتحدة، فقد تلجأ الشركات الصينية إلى إغراق الأسواق الخارجية بها. وقد يكون هذا مفيداً لبعض المستهلكين، إلا أنه قد يقوض المنتجين داخل البلدان التى تتعرض فيها الوظائف والأجور للتهديد. لذا تم التحذير عالمياً من خطر إعادة توجيه الصلب الصينى الزائد إلى عدة أسواق عالمية وإغراقها به، خاصةً السوق البريطانى، الأمر الذى سيؤدى إلى عواقب إقتصادية وتجارية وخيمة. ويتوقع أن تظهر العديد من الآثار غير المباشرة للحرب التجارية الشاملة بين الصين والولايات المتحدة على مستوى العالم، ويرى معظم الإقتصاديين حتى داخل الصين، بأن التأثير سيكون سلبياً للغاية.
وهنا يجب علينا فهم معاناة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها من عجز تجارى كبير لصالح الصين، فالفرق بين وارداتها وصادراتها قدره ٢٩٥ مليار دولار فى عام ٢٠٢٤. وهو ما يعد عجزاً تجارياً كبيراً، يعادل قرابة ١% من الإقتصاد الأمريكى، لكنه أقل من رقم تريليون دولار الذى إدعاه “ترامب” بشكل متكرر. ورغم الحرب التجارية الأمريكية على الصين، إلا أن الصين قد نجحت بالفعل حتى خلال فترة “ترامب” الرئاسية الأولى فى توجيه بعض صادراتها وسلعها الأساسية من الولايات المتحدة الأمريكية، وأعادت الصين توجيهها مرة أخرى عبر دول جنوب شرق آسيا. وهنا أكدت (وزارة التجارة الأمريكية) فى عام ٢٠٢٣ بأن مصنعى الألواح الشمسية الصينيين نقلوا عمليات التجميع إلى دول، مثل: (ماليزيا وتايلاند وكمبوديا وفيتنام)، ثم أرسلوا المنتجات النهائية إلى الولايات المتحدة الأمريكية من تلك الدول، متجنبين بذلك الرسوم الجمركية المفروضة عليهم من إدارة ترامب. ومن ثم، ستؤدى الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها “ترامب” على تلك الدول إلى رفع أسعار مجموعة واسعة من السلع صينية المنشأ داخل الولايات المتحدة.
كما أن تلك الحرب التجارية الأمريكية على الصين ستؤثر سلباً على عجلة الإقتصاد والتجارة الداخلية الأمريكية، خاصةً إذا ما علمنا بأن الهواتف الذكية تشكل أكبر فئة من واردات الولايات المتحدة من الصين، وتمثل حوالى ٩%من إجمالى الواردات، وتصنع نسبة كبيرة من هذه الهواتف الذكية فى الصين لصالح شركة أبل، وهي شركة أمريكية متعددة الجنسيات. لذا فكانت تلك الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين أحد العوامل الرئيسية التى ساهمت فى إنخفاض القيمة السوقية لشركة أبل فى الفترة الأخيرة، حيث إنخفض سعر سهم أبل بنسبة ٢٠% خلال الفترة الماضية. مع الوضع فى الإعتبار كذلك بأن الصين تلعب دوراً مركزياً فى تنقية العديد من المعادن الحيوية للصناعة، من النحاس والليثيوم إلى المعادن الأرضية النادرة. لذا يتوقع أن تضع بكين عقبات أمام وصول هذه المعادن إلى الولايات المتحدة.
وهنا يتوقع أن تكون ردة الفعل الأمريكية على الصين، من خلال الضغط الأمريكى على دول أخرى، بما فى ذلك: كمبوديا والمكسيك وفيتنام، لوقف التجارة مع الصين إذا أرادت الإستمرار فى التصدير إلى الولايات المتحدة.
وهنا أكد الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” بأن المزارعين في الولايات المتحدة هم ضحايا الحرب التجارية مع الصين. وتأتى تصريحات “ترامب” رداً على أمر أصدرته الصين لشركات الطيران التابعة لها، يقضى بعدم تسلم أى شحنات إضافية من (طائرات البوينغ الأمريكية)، رداً من الصين على قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على السلع الصينية. لذا قامت السلطات الصينية بمنع كافة شركات الطيران فى الصين من شراء طائرات الـ “بوينغ”، والمعدات وقطع الغيار الخاصة بها من الجانب الأمريكى. كما أكدت الحكومة الصينية عبر شركات طيرانها، بأن حكومة الصين تدرس تقديم الدعم لشركات الطيران التي تستأجر طائرات “بوينغ الأمريكية” لتعويض التكاليف المتزايدة لها. ويذكر أن بنك التنمية الصينى “سى دى بى” قد وافق فى سبتمبر ٢٠٢٤ على شراء ٥٠ طائرة من شركة “بوينغ” الأمريكية، فيما كانت شركة صناعة الطيران الأمريكية تعانى من أزمات مالية وإضرابات عمالية. ولكن أتت الحرب التجارية الأمريكية على الصين من خلال الفترة الرئاسية الثانية لترامب لتطيح بأى إمكانية للتعاون بين الطرفين.
ولكن بشكل عام، فإن تطبيق إدارة الرئيس الأمريكى “ترامب” رسوماً جمركية جديدة على الواردات سيمكن بكين من تعزيز مواقعها الإقتصادية والإستثمارية مع دول جنوب شرق آسيا، والظهور كبديل لواشنطن. الأمر الذى سيشعل فتيل التوترات بين الجانبين. كما أن حرب “ترامب” التجارية فى مواجهة الصين، ستفتح فرصاً إقتصادية ودبلوماسية جديدة للصين. خاصةً فى ظل مراقبة زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” فى جولة إلى جنوب شرق آسيا، حيث يقود الرئيس”شى” بنفسه حملة مناهضة للرسوم الجمركية الأمريكية تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية وغيرها من الروابط لدول المنطقة مع الصين كبديل للولايات المتحدة الأمريكية. حيث قام الرئيس الصينى “شى” بزيارة لدولة فيتنام، تلاها زيارة كلاً من دولتى ماليزيا وكمبوديا، لصالح تعزيز العلاقات الإقتصادية مع الصين فى مواجهة سياسة “ترامب” الحمائية الأمريكية وضغوطه الإقتصادية على الصين وشركاؤها فى منطقة جنوب شرق آسيا ودول الجنوب العالمى النامى.
لذا يتوقع، بأنه إذا أغلقت الولايات المتحدة أبوابها في وجه دول جنوب شرق آسيا ودول الجنوب العالمى النامى، فإن الصين ستصبح سريعاً اللاعب الرئيسى بالنسبة لها. خاصةً وأن إقتصادات دول جنوب شرق آسيا لا تزال فى طور النمو، ومئات الملايين من السكان يعيشون فى فقر مدقع. لذا فإن قادة هذه الدول لا يمكنهم الإنتظار كثيراً من أجل توقيع إتفاقيات تجارية وإستثمارية نتيجة لتلك المناورات والضغوط الأمريكية التجارية على الصين عبر التلاعب بتلك الدول الفقيرة، بينما يحدد ترامب سياسته المتعلقة بالتعريفة الجمركية. لذا يصبح من الصعب فى المستقبل فك الإرتباط مع العلاقات التجارية والإقتصادية بين الصين ودول جنوب شرق آسيا، والتي تتطور الآن بشكل كبير، خاصةً بعد جولة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” لها نتيجة للحرب التجارية الأمريكية على الصين.
وهنا دعت (وزارة التجارة الصينية) الولايات المتحدة الأمريكية إلى إلغاء الرسوم الجمركية، وتصحيح أخطائها بالكامل. كما نجد دعوة وزير التجارة الصينى “وانغ وينتاو”، كافة أعضاء (منظمة التجارة العالمية) إلى توحيد الصف فى مواجهة السياسات الأحادية والحمائية الأمريكية، داعياً لضرورة حل الخلافات عبر الحوار والتعاون بل من سياسة التصعيد الأمريكى غير المبرر. حيث دعت الصين كافة الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية إلى التكاتف لمواجهة الإجراءات الأحادية، وتعزيز التعاون المفتوح والنظام التجارى متعدد الأطراف. كما جاءت التصريحات الرسمية لـ (خه لى فنغ)، بصفته نائب رئيس مجلس الدولة الصينى، بأنه: “لقد أصبح فرض الولايات المتحدة المتتالى للتعريفات الجمركية المرتفعة بشكل مفرط على الصين مجرد لعبة أرقام، دون أى أهمية إقتصادية حقيقية لذلك، وهو ما يكشف فقط عن ممارسات الولايات المتحدة المتمثلة فى تسليح التعريفات الجمركية كأداة للتنمر والإكراه، ما يدعو إلى التصدى له وبشدة”.