الطفل ياسين حين يتحول الحلم بالتعلم إلى كابوس صامت داخل مدرسة في البحيرة
تقرير : مها السبع
وإن أرادوا قتل الطفولة فينا، فلن تموت،
وإن أرادوها ظلامًا، فدولةُ العدلِ لا تغيب.
في قلب مدينة دمنهور، بمحافظة البحيرة، كان الطفل “ياسين” يخطو أولى سنواته الدراسية داخل مدرسة خاصة، لا يحمل في حقيبته سوى الحروف الأولى من أبجدية الحياة. لم تكن أسرته تتخيل أن الحروف التي سيحفظها لن تكون “أ” لـ”أسد”، بل “أ” لـ”ألم” سيلازمه طويلًا.
بدأت الحكاية حين لاحظت الأم تغيّرًا مفاجئًا في سلوك طفلها. يرفض دخول الحمام، يرتجف إذا سُئل عن مدرسته، ويصرخ في نومه. ظنّت الأم في البداية أنها مجرد مشكلات نفسية مؤقتة، حتى تحدث ياسين بصوت خافت: “الراجل عمل فيا حاجة وحشة في الحمام.”
المتهم.. ومنصة القضاء
المتهم ليس طالبًا مراهقًا، ولا شابًا مندفعًا، بل رجل مسن يبلغ من العمر 78 عامًا، يُدعى (صبري.ك.ج.ا)، ويعمل كمراقب مالي بالمدرسة. تشير التحقيقات إلى أنه استغل موقعه وعلاقته بالعاملين لاستدراج الطفل إلى الحمام، ثم إلى الجراج الخاص بالمدرسة، بمساعدة عاملة.
مشهد لن يُنسى
خلال إحدى جلسات المحاكمة، حضر الطفل ياسين إلى المحكمة مرتديًا زي “سبايدر مان”، البطل الخارق الذي طالما أحبّه على شاشات الرسوم المتحركة. في تلك اللحظة، بدا المشهد مؤلمًا ومعبّرًا: طفل صغير يواجه عالم الكبار بقلب هش وبدلة بطل، وكأنما أراد أن يستمد من زيه قوة وهمية تحميه من الواقع المرير.
تقرير الطب الشرعي.. إشارات وإنذارات
أثار تقرير الطب الشرعي جدلًا واسعًا، بعد أن أشار إلى عدم وجود إصابات واضحة، مع ملاحظة وجود “اتساع” طفيف بفتحة الشرج، قد يدل على تعرض الطفل لاعتداء جنسي خارجي. التقرير ترك الكلمة الفصل للقضاء، مؤكدًا أن غياب العلامات الظاهرة لا يعني بالضرورة غياب الجريمة.
المجتمع ينتفض.. والمدرسة تصمت
العدالة تقول كلمتها
وبعد شهور من التحقيقات والمرافعات، أصدرت محكمة جنايات دمنهور حكمها النهائي بالسجن المؤبد على المتهم صبري.ك.ج.ا، بعد إدانته بهتك عرض الطفل ياسين داخل أسوار المدرسة. جاء الحكم بمثابة انتصار للعدالة، وطمأنينة مؤقتة لأولياء الأمور، ورسالة صارمة لكل من تسوّل له نفسه انتهاك براءة الأطفال.
رسالة من قلم ينبض بالمصداقية
قضية ياسين لم تكن مجرد واقعة فردية، بل ناقوس خطر يدق أبواب كل مدرسة وكل بيت. لقد انتصر الصوت الصغير على الجريمة الصامتة، ليعلّمنا من جديد أن حماية الطفولة مسؤولية مجتمع بأكمله، وليس قرار أسرة واحدة فقط.