الحمد لله خلق الخلق وبالعدل حكم مرتجى العفو ومألوه الأمم كل شيء شاءه رب الورى نافذ الأمر به جف القلم، لك الحمد ربي، من ذا الذي يستحق الحمد إن طرقت طوارق الخير، تبدي صنع خافيه، إليك يا رب كل الكون خاشعة، ترجو نوالك فيضا من يدانيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن غزوة بدر الكبري، وهي أول غزوة للمسلمين وكان لها أثرها فى إظهار قوة الإسلام، فكانت بدء الطريق ونقطة الإنطلاق فى إنتشار الإسلام، ورسمت الخط الفاصل بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسى والمادي.
والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعانى، فعاشها الصحابة واقعا ماديا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيم الجاهلية، فالتقى الابن مقاتلا لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه، ولأن المحرك لها هو الإيمان بالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلت صور رائعة من الإيمان بالله وصفاء العقيدة وحب هذا الدين، ولقد كانت هناك المعجزات التى أيد الله بها الفئة المؤمنة على الفئة الباغية الكافرة، وهو إنزال المطر عليهم حيث أنزل الله سبحانه من السماء ماء كان رحمة على المؤمنين فقال تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام” فذكر الله سبحانه أنه أنزل المطر على المؤمنين لأربعة أسباب للتطهير من الحدث.
ولإذهاب وسوسة الشيطان، ولتثبيت القلوب، ولتلبيد الأرض الرملية فى بدر لتثبت عليها أقدام المؤمنين فى سيرهم، وقال مجاهد أنزل الله المطر فأطفأ الغبار وتلبدت الأرض وطابت نفوسهم وثبتت أقدامهم، وقال عروة بن الزبير بعث الله السماء وكان الوادى دهسا أى بمعنى تربته سهلة لينة، فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما لبّد جعلها متماسكة لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير، وأصاب قريشا ما لم يقدروا أن يرحلوا معه” رواه الطبرى وكان نزول المطر سببا فى إذهاب وسوسة الشيطان الذى أراد به تثبيط المؤمنين عن القتال بعد احتلامهم بالليل حيث كانوا يصلون مجنبين، فحين نزول المطر وجد الماء الذى اغتسلوا به من الجنابة، وأذهب الله بذلك رجز الشيطان، ولقد أثبت العلم الحديث أن عضلات القلب عبارة عن ألياف عضلية فى شكل خيوط طولية.
وعرضية تلف القلب، فإذا أفرزت مادة الأدرينالين، عملت على ارتخاء عضلات القلب وبالتالى ترتخي تلك الألياف والحبال العضلية، كما تعمل على ارتعاش الأطراف، وقد وجد أن من أسرع الوسائل لتخفيض مادة الأدرينالين هو أن يرش الجسم بالماء فيربط على القلب بتلك الحبال العضلية بانقباض العضلات، ويزول الارتخاء، كما تثبت الأقدام من ارتعاشها، وصدق الله القائل ” وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام” ومن المعجزات فى بدر هو تقليل عدد كل فريق فى نظر الفريق الآخر، وإن من آيات الله فى هذه المعركة أن جعل كل فريق يرى عدد الفريق الآخر قليلا، وذلك لحكمة أرادها الله تعالى وهي أن تتم هذه المعركة وينتصر الحق على الباطل، فقال الله تعالى فى سورة الأنفال ” وإذ يريكموهم إذ التقيتم فى أعينكم قليلا ويقللكم فى أعينهم ليقضى الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور”
قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين وقلل المشركين فى أعين المسلمين.