كبرت يا أمي… كيف لا تذكرك بفيض من الحنين و الشجن ، ببداية هذا الاسبوع ، أسبوع الآلآم ؟
كبرتُ يا أمي، وها أنا اليومُ أراكِ في ملامحي، في خطواتي، في صوتي حين أنادي أحفادي… كبرت، وأصبحتُ جدة، وما أروعَ هذا الإحساس، ما أعمقَه… هل هذا كان شعوركِ حين احتضنتِ أولادي؟ هل كنتِ تحبينهم بهذا العمق الذي لا يُقاس؟ كيف لم أدرك أن محبتك لي ولهم تخطّت حدود الكون؟ كيف لم ألحظ، وأنا مشغولة في متاهات الحياة؟
كانت الحرب، وكان الخوف عليكِ، وعلى أبي، وعلى زوجي و أطفالي. كنا نهربُ من الموت، نركض إلى بيوت الجيران الآمنة، نحتمي بالطوابق السفلية من قذائف لا ترحم، نمشي بين القذائف و كأَّننا نمشي تحت المطر، بين النقاط، وكان المطر… نارًا ننام بهدوءٍ قلق، وإذا بصوت الموتور يُزَّمجر، يرمي قذائفه كأنما يلقي قشور جوز يتسلى بتكسيرها… أيُ حُبٍ يمكن أن يَظّهَرَ وسط هذا البركان المحموم؟ كانت مشاعري مدفونة في أعماق عقلي، أجمعكم وأولادي كما تجمع الدجاجة فراخها، لا وقت للعناق، لا وقت للبوح ، كم كن نتجالد حتى لا يحل النوح .
أما اليوم، أولئك الصغار صاروا رجالاً، آباء، وأحفادهم شباب وصبايا، أجالسهم، نضحك، نتسامر، لسنا فقط جدة وأحفاد… بل أصدقاء، رفاق، وأحباب
كم أعود بالذكرى إليكِ، ليتكِ عايشتِ أولادي كما أتعايش مع أحفادي، أفكر بصمت… أدمع بصمت… وقلبي يرشح بالحزن * ملفينا توفيق أبو مراد عضو إتحاد الكتاب اللبنانين لبنان 2025/4/14