
نفحات وتجليات رمضانية
عباد الرحمن
بقلم د/ علوي القاضي
وصلًا بماسبق ، فالمذكور في كل الٱيات عن صفات (عباد الرحمن) ، فهي إجمالا صفات المسلمين المؤمنين الحقة ، والتي يريدها الله في عبده المؤمن وتعد منهاجًا للمسلم في حياته حتى ينال رضى الله ، فقد وصفهم الله :
بالوقار ، والسكينة ، والتواضع له ولعباده ، وحسن الأدب ، والحلم ، وسعة الخلق ، والعفو عن الجاهلين ، والإعراض عنهم ، ومقابلة إساءتهم بالإحسان ، وقيام الليل ، والإخلاص فيه ، والخوف من النار ، والتضرع لربهم ، أن ينجيهم منها ، وإخراج الواجب والمستحب في النفقات ، والإقتصاد في ذلك ، وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط ، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى ، والسلامة من كبائر الذنوب ، والإتصاف بالإخلاص لله في عبادته ، والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك ، وأنهم لايحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ، ولايفعلونها بأنفسهم ، وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الرديئة التي لاخير فيها ، وذلك يستلزم مروءتهم ، وإنسانيتهم ، وكمالهم ، ورفعة أنفسهم ، عن كل خسيس قولي وفعلي ، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها ، والإجتهاد في تنفيذ أحكامها ، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء ، في الدعاء الذي ينتفعون به ، وينتفع به من يتعلق بهم ، وينتفع به المسلمون ، من صلاح أزواجهم وذريتهم ، ومن لوازم ذلك ، سعيهم في تعليمهم ، ووعظهم ، ونصحهم ، لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه ، لابد أن يكون متسببا فيه ، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم ، وهي درجة الإمامة والصديقية
فلله (ما أعلى) هذه الصفات ، وأرفع هذه الهمم ، وأجل هذه المطالب ، وأزكى تلك النفوس ، وأطهر تلك القلوب ، وأصفى هؤلاء الصفوة ، وأتقى هؤلاء السادة
ولله ، (الفضل) عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم ، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل
ولله ، (المنة) على عباده ، أن بين لهم أوصافهم ، ونعت لهم هيئاتهم ، وبين لهم هممهم ، وأوضح لهم أجورهم ، ليشتاقوا إلى الإتصاف بأوصافهم ، ويبذلوا جهدهم في ذلك ، ويسألوا الذي من عليهم وأكرمهم ، الذي فضله في كل زمان ومكان ، وفي كل وقت وأوان ، أن يهديهم كما هداهم ، ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم ، حتى أصبحوا (رجال) بمعنى الكلمة لأنهم صدقوا ماعاهدوا الله عليه
فاللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان ، وبك المستغاث ، ولاحول ولاقوة إلا بك ، لانملك لأنفسنا نفعًا ولاضرًا ، ولانقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا ، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه
نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة ، فلا نثق ياربنا إلا برحمتك ، التي بها خلقتنا ورزقتنا ، وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة ، وصرفت عنا من النقم ، فارحمنا رحمة تغنينا بها ، عن رحمة من سواك ، فلا خاب من سألك ورجاك
ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته ، حيث سماهم (عباد الرحمن) ، واختصهم بعبوديته ، لشرفهم وفضلهم
فأخبر تعالى أنه لايبالي ولايعبأ بغير هؤلاء ، وأنه لولا دعاؤكم إياه ، دعاء العبادة ودعاء المسألة ، ماعبأ بكم ولاأحبكم فقال (قُلْ مَايَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) أي عذابا يلزمكم ، لزوم الغريم لغريمه ، وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين
وكل عام وانتم بخير .