أخبار الجامعات

نفحات إيمانية ومع السعادة الحقيقية ” الجزء الخامس “

نفحات إيمانية ومع السعادة الحقيقية ” الجزء الخامس ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع السعادة الحقيقية، فقد يسعد الإنسان شيء يعد لدى غيره عاديا، ويود الجميع لو يصبحون سعداء، وحين تسألهم ما معنى السعادة؟ لن يستطيع أكثرهم الإجابة بشكل صحيح، ويرجع ذلك إلى أن المفاهيم تعقّدت وتشابكت، فما عاد غالب الناس يفرقون بين السعادة والرفاهية والرضا، وبين النجاة من الموت والألم والسعي خلف الرزق ورفاهيات الحياة، وتعد السعادة مفهوما مجردا لا ينحصر بنطاق حسي ولا عقلاني، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو خيالي، ومن هنا تكمن صعوبة حصره وضبطه في بضع كلمات تصفه، فقيل بأن السعادة ليست بالأمر الهين، فمن الصعب أن نعثر عليها في دواخلنا، ومن المستحيل أن نعثر عليها في الخارج.

 

وقيل عن السعادة بأنها اللذة، أو على الأقل أنها تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا باللذة واللذة بدورها يتم تفسيرها باعتبارها غيابا واعيا للألم والإزعاج حيث يحصر الفضيلة بالتأمُل والفلسفة في التفكير، ويصل أخيرا إلى أن الحياة التي تتصف بالسعادة هي الحياة التي تعنى وتتمحور حول النشاط العقلي، أما سبينوزا فيقول في كتابه الأخلاق، بأن السعادة هي الغبطة التي ندركها حينما نتحرر من عبودية الأهواء ومن الخرافات والأحكام المسبقة، وقيل السعادة هي القدرة على تجربة أوسع نطاق من العواطف والمشاعر بطريقة صحية، والسعادة هي الشعور بالرضا في ظل غياب القلق أو الاضطراب أو تعكر المزاج، وقد قال الإمام الغزالي، إن اللذة والسعادة عند بني آدم.

 

هي معرفة الله عز وجل، ويتبع ذلك بقوله، اعلم أن سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى لأن القلب مخلوق لها، ويختلف الناس في تحديد السعادة الحقيقية باختلاف اهتماماتهم واحتياجاتهم، فمنهم من يظن أن السعادة الحقيقية تكمن في امتلاك الأموال الطائلة، ومنهم من يتصورها في بيت فخم وسيارة فارهة، ومنهم من يراها في المناصب المرموقة أو في التمتع بجمال أخاذ، أو في تحقيق غرائز الجسد وشهوات النفس، أو في كثرة الأولاد، ويقول الرازي في ذلك إن الإنسان يشاركه في لذة الأكل والشرب.

 

جميع الحيوانات، حتى الخسيسة منها، فلو كانت هي السعادة والكمال، لوجب ألا يكون للإنسان فضيلة في ذلك على الحيوانات، ويكمل في سياق آخر فيقول إن هذه اللذات الحسية، إذا بحث عنها، فهي ليست لذات، بل حاصلها يرجع إلى دفع الآلام، والدليل عليه أن الإنسان كلما كان أكثر جوعا كان الالتذاذ بالأكل أتم، وكلما كان الجوع أقل كان الالتذاذ بالأكل أقل، ويعد الفلاسفة المسلمون السعادة الحقيقية في إشباع لذة العقل والذهن بالمعارف والعلوم، بالإضافة لتقدير ورفع قيمة الأعمال المرتكزة على الجهد الذهني، ويتفق هنا الكندي وابن مسكويه، والفارابي، وابن رشد في كون السعادة الحقيقية تتجلى في طلب علوم الحكمة والفلسفة والعمل بالعلوم المنطقية والنظرية.

 

بهدف الوصول لنتائج وحقائق صادقة، ومن الجدير ذكره أن الفلاسفة المسلمين واليونانيين القدماء قد اتفقوا على كونِ السعادة الحقيقة تتجلى في الإيمان، والعمل السليم البناء، وإعمال العقل والفكر لإكمال إرواء الملذات الدنيوية، وهذه الطريقة الأفضل للارتقاء بالأمم والوصول أخيرا للسعادة، وإن من أراد أن يحقق السعادة في حياته فليلتزم بالأسباب التي من قام بها حصلت له السعادة والحياة الطيبة في دنياه وأخراه فعليه الإيمان والعمل الصالح، فالحياة الطيبة تكون لأهل الإيمان والعمل الصالح وأما غيرهم حتى وإن تمتعوا بالملذات المحسوسة فإنهم في ضيق ونكد لأن مدار السعادة على القلب وراحته وصدق من قال لبيت تخفق الأرواح فية أحب إليّ من قصر منيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى