قصة قصيرة

الهروب

            الهروب

بقلم/ محمد سعد شاهين

بين زحام السيارات وضجيج الأسواق، كان يعيش حياة ظاهريًا ناجحة، لكنه في داخله كان يغرق في بحر من الهموم. كان يملك متجرًا كبيرًا، ويعمل ليلًا ونهارًا ليحافظ على تجارته، لكنه لم يكن سعيدًا. الديون تطارده، والمشاكل العائلية لا تنتهي، حتى أصبح يشعر أن الدنيا تضيق عليه يومًا بعد يوم.
في إحدى الليالي، بعد خلاف شديد مع أحد شركائه، خرج من عمله دون أن يدري إلى أين يذهب. سار في الشوارع حتى وجد نفسه أمام ضريح ولي من الأولياء، مكان كان يسمع عنه من والدته قديمًا، لكنها لم تكن سوى حكايات بالنسبة له.
كان الضريح مضاءً بمصابيح زيتية، وأصوات الأذكار تتردد في أرجائه. دخل بتردد، فوجد مجموعة من الدراويش يجلسون في هدوء، يرددون أسماء الله بحب وسكينة. جلس بينهم دون أن يشعر، وأغمض عينيه، وكأن الحمل الثقيل الذي يحمله بدأ يخف.
ظل في الضريح حتى الفجر، ثم عاد إلى بيته، لكنه لم يعد كما كان. في اليوم التالي، أغلق متجره، وترك كل شيء خلفه، وعاد إلى الضريح. هناك، خلع ملابسه، وارتدى عباءة الدراويش، وأصبح واحدًا منهم. بدأ يخدم الفقراء، يكنس الساحة، ويوزع الطعام على الزوار، ويردد الأذكار مع إخوانه الجدد. مرّت الأيام، و لم يعد إلى بيته ، بدأ يعيش مع الدراويش الذين اتخذوا الضريح مأوى للذكر والتأمل. أصبح واحدًا منهم. كان يقضي وقته في التسبيح، والحديث عن الزهد، وخدمة الزوار الذين يأتون إلى الضريح بحثًا عن السلام.
سمع أهل المدينة بقصته، فتعجبوا. البعض رآه مجنونًا، والآخرون اعتبروه رجلاً وجد حقيقة الحياة. أما هو، فلم يعد يهتم برأي أحد. في داخله، كان قد وجد راحة لم يجدها من قبل. تحولت حياته تمامًا، لم يعد يفكر في المال، ولا في الأعمال، بل وجد في الزهد والعبادة ما لم يجده في سنوات من السعي خلف الدنيا. أصبح يُعرف بين الدراويش باسم العابد، الرجل الذي هجر الدنيا بحثًا عن نور القلب.
وذات يوم، سأله أحد الزوار:
“كيف تركت كل شيء؟ ألم تخف؟
ابتسم وقال : كنت خائفًا وهكذا، عاش حياته في الضريح، هادئًا، راضيًا، لا يطلب من الدنيا سوى لحظة صفاء مع الله.

الهروب

الهروب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى