أدبالقصة والأدبقصة قصيرة

قرار نهائي

بقلم / معاني سليمان

قرار نهائي

يجب أن تختاري، لا يمكنكِ أن تعيشي حياتين؛ من حقك أن تعيشي حلمك ..”
لا تزال كلماته ترن في أذني، يؤرقني التفكير وسؤال لم أجد له جواباً .
الليل يرخي بظلاله على السماء، الكونُ يتدثر بالظلام، الكرى يداعب الجفون ويرش سحره بخفة.
وأنا لا أزال حائرة أتقلب في فراشي، أخرج الحقيبة المخبأة تحت سريري ..أتأمل محتوياتها بحسرة؛ ما أصعب أن أختار أي حياة يجب أن أعيش!

عدتٌ مسرعة إلى البيت أغلقت الباب خلفي ورحت أنادي عليه ..لقد وصلت يا عزيزي أين أنت؟؟ ولم أسمع جوابًا، بحثت عيناي عنه في أرجاء البيت ، فتحتُ باب غرفته، فوجدته جالساً على الكرسي بجوار النافذة وعيناه سارحتان في الأفق وكأن روحه محلقة في عالم آخر.
_أقلقتني عليك .. وكأن صوتي أعاده إلى عالمنا، نظر إلي وقال أنا بخير، متى ستحضر والدتك لقد تأخرت كثيراً .
نظرت إليه بأسى وقلت :لن تحضر، لقد توفيت منذ عشر سنوات .
كان يبدو كطفل تائه في غابة مظلمة، نظر إلي مصدومًا خائفًا وكأنه يسمع الخبر لأول مرة .
أمسكت بيده ،ضممته إلى ، طمأنته، لا تقلق يا حبيبي، أنا معك هنا، كل شيء سيكون بخير.
هيا بنا يجب أن تغتسل وترتدي ملابسك الأنيقة، سيحضر أخوتي وزوجاتهم في المساء، وكذلك أصدقائك في المحل والمقهى أنهم يحبونك ويسألون عنك دائماً ويريدون أن يطمأنوا عليك .

كان جدول اليوم حافل كالعادة؛ أخوتي وعائلاتهم وضيوف والدي وزواره من أصدقائه ومحبيه الذين لم يتخلوا عنه،منذ أن داهمه المرض، وأصبح بحاجة إلى من يعتني به، وكنت دومًا بجانبه أرعاه وأخفف عنه، ويكفيني نظرة الرضا والامتنان من عينيه، ويديه التي يرفعهما للسماء عاليًا وهو يدعو لي ..

المنافسة اليوم على أشدها والعداءات من كل المدن، اللاعبات مصطفات بجوار بعضهن كل لاعبة في الممر الخاص بها، الجميع في وضع الاستعداد، ما إن أطلق الحكم طلقة من مسدس الصوت ، حتى دفعت ساقيّ بقوة وبدأت أجري في المضمار ..
عشقت الجري منذ صغري، كنت أرى فيه حريتي وأحلامي وأجنحتي التي تحلق بي عالياً، ووسيلتي المفضلة للشعور بالقوة والثقة بالنفس، والتحرر من الخوف والقلق .
في صغري كثيرًا ما غافلت أمي وخرجت من البيت، وجمعت أبناء الجيران لأنظم مسابقات في الركض..
كانت أوقاتا جميلة غالبًا ما تنتهي بأن يمسكني أخي ويدخلني إلى البيت تحت التهديد والوعيد ..ووعدي له بأن أتعلم ما ينفعني وأساعد أمي، ولكني أعيد الكرة كل مرة ..

شعرت بارتياح كبير بعد أن اجتزت خط النهاية ، وهنأتني المتباريات بفوزي، اقترب مني المدرب وأثنى علي، وقال لي
– تهانينا كنتِ الأسرع في السباق في زمن قياسي مذهل، هل فكرتي بكلامي؟ المنافسة في الأولمبياد الدولي هذه السنة ! أتمنى أن تكوني معنا يا ربى ..لا يمكنك أن تعيشي حياتين، ولا أن ترضي الجميع، كوني أنتِ

ارتدت السماء ثوبها المخملي الأسود، وأنا الآن أنام عميقاً بعد أن توصلت إلى الحل..
في ظلام الليل كان هناك بريق لميداليات معدنية ملقاة في أحد الأزقة! أحسبها غادرت حلمي منذ لحظاتٍ قليلة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى