أدبقصة قصيرة

حالة طرد

          حالة طرد

قصة/ محمد سعد شاهين

أقف في الظلام، مشوش الفكر، أراقب بصمت ما يحدث خارج الغرفة التي حبست نفسي فيها بإرادتي. أسمع أصواتًا غريبة، همسات غير مفهومة، وأتنفس رائحة البخور المتغلغلة في الهواء. الغرفة معتمة، لكنني أقترب من الباب، أنظر من ثقب المفتاح.

هناك أربعة غرباء اجتمعوا حول طاولة خشبية في منتصف المنزل. رجل بملابس رثة، إلى جانبه امرأة تبدو جميلة لكنها ترتدي ثيابًا قديمة تنم عن ضيق الحال. على يسارها، طفل صغير يتعلق بثوبها، بينما يجلس أمامهم رجل مسن بلحية كثة وجلباب فضفاض.

من هؤلاء؟ ولماذا اقتحموا منزلي؟

ترتفع وتيرة الهمسات. الرجل المسن يتمتم بكلمات غريبة، فتتبدل ملامح الآخرين بين الترقب والرهبة. فجأة، ينتفض الرجل ذو الملابس الرثة واقفًا ويتجه مباشرة نحو غرفتي. لا! لن أسمح له بالدخول. لكن… هل رأيته يتوقف؟ هل تردد؟ لا. لقد اندفع إلى الداخل دون أن يلتفت إليّ.

يبدأ في إزاحة فراشي بعنف، والمرأة تصرخ لتنبهه. الطفل يزداد تعلقًا بها، والرجل الملتحي يراقب بصمت متوجس. أنا أصرخ، لكن لا أحد يسمعني. ألوّح بيدي، لكن لا أحد يراني.

ثم يحدث ما لم أكن أتوقعه.

الرجل يرفع شيئًا ثقيلًا ويضرب به أرضية الغرفة، يكرر الضربة حتى تتحطم الألواح الخشبية، فيسقط على ركبتيه وهو يحدق فيما اكتشفه. تقترب المرأة ببطء، ثم تصرخ، تحتضن الطفل، وتغطي عينيه بيديها. الرجل يتراجع متجمدًا، والملتحي يتمتم في رهبة.

وأنا… أنظر.

إنه هيكل عظمي. ملقى أسفل الفراش. محاط بظلام دامس. يرتدي ملابس مهترئة، لكنها مألوفة جدًا… إنها ملابسي!

أشعر ببرودة شديدة تجتاحني، وكأنني أذوب في العدم. الرجل الملتحي يتحدث بصوت هادئ، لكن كلماته ترنّ في أذني كالصاعقة:

— كما توقعت، إنه شبح القتيل الذي لم يغادر المكان. روحه تائهة هنا لأن جسده ظل مخفيًا طوال هذا الوقت.

الرجل المرتبك يتمتم:

يجب أن نبلغ الشرطة فورًا.

لكن المرأة تهز رأسها بعنف، صوتها يعلو بانفعال:

لا! لا يمكنني البقاء هنا بعد الآن. هذا المنزل مرعب، وهذا.. هذا أكثر مما أتحمله!

يواصلون حديثهم، وأنا أقف هناك، عاجزًا عن التدخل. لم أعد أسمع سوى ضجيج متلاطم في رأسي. لم أعد أرى سوى ظلام كثيف يبتلعني ببطء.

أدركت الحقيقة أنا لست صاحب هذا المنزل. أنا مجرد طيف، دخيل على عالم الأحياء، مسجون في ذكريات لا تعود لي. لقد طُردت أخيرًا لكن إلى أين؟

الآن، وحدي تمامًا. في عالمٍ بلا أبواب، بلا غرباء، بلا ضوء. وحدي للأبد.

حالة طرد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى