
الوحيد الذي كملت فيه صفات الشجاعة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على نعمة الصيام والقيام، وأحمد الله واشكره، فإليه المرجع وإليه المآب، واشهد أن لا إله إلا هو، ولقد جعل الله النهار والليل آية لأولي الألباب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد اتقوا الله ربكم حق تقاته، واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم، واعبدوا واحمدوا الله، واعرفوا قدر النعم التي أنعمها الله عليكم، واحمده على منه عليكم بمواسم الخيرات والتي تتكرر كل عام، واستغلوا الشهر وتوبوا لله توبة نصوحا، ولا تموتن إلا وأنتم مؤمنون ثم أما بعد لقد كان رسول الله المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم شجاعا، وهذا مما تناقلته الأخبار وسار مسير الشمس في رابعة النهار، فكان أثبت الناس قلبا، وكان كالطود لا يتزعزع ولا يتزلزل، ولا يخاف التهديد والوعيد، ولا ترهبه المواقف والأزمات.
ولا تهزه الحوادث والملمات، فوّض أمره لربه وتوكل عليه وأناب إليه، ورضي بحكمه وإكتفى بنصره ووثق بوعده، فكان عليه الصلاة والسلام يخوض المعارك بنفسه ويباشر القتال بشخصه الكريم، فيعرّض روحه للمنايا ويقدم نفسه للموت، غير هائب ولا خائف، ولم يفرّ من معركة قط، وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس وتقوم الحرب على ساق وتشرع السيوف وتمتشق الرماح وتهوي الرؤوس ويدور كأس المنايا على النفوس، فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر، يحتمون أحيانا وهو صامد مجاهد، لا يكترث بالعدو ولو كثر عدده، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه، بل كان يعدل الصفوف ويشجع المقاتلين ويتقدم الكتائب، وقد فرّ الناس يوم حنينن وما ثبت إلا هو وستة من أصحابه.
ونزل عليه قوله تعالي ” فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين ” وكان صدره بارزا للسيوف والرماح، يصرع الأبطال بين يديه ويذبح الكماة أمام ناظريه وهو باسم المحيا، طلق الوجه، ساكن النفس، وقد شجّ عليه الصلاة والسلام في وجهه وكسرت رباعيته، وقتل سبعون من أصحابه، فما وهن ولا ضعف ولا خار، بل كان أمضى من السيف، وبرز يوم بدر وقاد المعركة بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه الشريفة، وكان أول من يهب عند سماع المنادي، بل هو الذي سن الجهاد وحث وأمر به، وتكالبت عليه الأحزاب يوم الخندق من كل مكان وضاق الأمر وحلّ الكرب، وبلغت القلوب الحناجر، وظن بالله الظنون، وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو ويستغيث مولاه.
حتى نصره ربه ورد كيد عدوه وأخزى خصومه وأرسل عليهم ريحا وجنودا وباؤوا بالخسران والهوان، ونام الناس ليلة بدر وما نام هو صلى الله عليه وسلم، بل قام يدعو ويتضرع ويتوسل الى ربه ويسأله نصره وتأييده، فيا له من إمام وما أشجعه لا يقوم لغضبه أحد، ولا يبلغ مبلغه في ثبات الجأش وقوة القلب مخلوق، فهو الشجاع الفريد والصنديد الوحيد الذي كملت فيه صفات الشجاعة وتمّت فيه سجايا الإقدام وقوة البأس، وهو القائل ” والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل” رواه البخاري ومسلم، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما” رواه الترمذي وابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم ” ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت” رواه مسلم.