إياكم وكيد الشيطان بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : السبت الموافق 2 نوفمبر 2024
الحمد لله خلق الخلق وبالعدل حكم مرتجى العفو ومألوه الأمم كل شيء شاءه رب الورى نافذ الأمر به جف القلم، لك الحمد ربي، من ذا الذي يستحق الحمد إن طرقت طوارق الخير، تبدي صنع خافيه، إليك يا رب كل الكون خاشعة، ترجو نوالك فيضا من يدانيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، إن نعم الله سبحانه وتعالي على عباده كثيرة لا تحصي ومن هذه النعم العظيمة نعمة البيان، حيث إن الله تبارك وتعالى قد امتن على عباده بذلك بقوله في أول سورة الرحمن ” الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان “
وذلك أن الإنسان يبين عن مكنونات نفسه، ويفصح عمّا في ضميره، ويستطيع أن يتعامل مع الناس، وأن يفهمهم مراده، فهي نعمة تحتاج إلى شكر، وعلى قدر النعمة يعظم حقها، ويستوجب شكرها، ويستنكر كنودها، وجحودها، والإسلام قد إعتنى عناية كبيرة بما يتعلق بالكلام، واللسان، والأسلوب الذي نؤدي به هذا الكلام، وكلام الإنسان يبين عن خلقه، ويبين عن عقله، لربما يكون الإنسان صامتا فإذا تكلم عرف الناس قدره، وعرفوا ما يحمله من أخلاق، وقيم، ومفاهيم، ومبادئ وذلك حينما عبر بلسانه، وتكلم، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يسأل نفسه قبل أن يتكلم هل هناك ما يستدعي للكلام، وإلا فمن كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت” ولذا قيل.
“خير الألسن المخزون، وخير الكلام الموزون، فحدث إن حدثت بأفضل من الصمت، وزين حديثك بالوقار، وحسن السمت” وإن الطيش في الكلام يترجم عن خفة الأحلام، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما زان المتكلم إلا الرزانة كما قالت الحكماء، ويقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وأرضاه ” والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان” فإن الذين تقودهم ألسنتهم، ولا يقودونها إنما تقودهم إلى مصارعهم، ولذلك فإن اللسان السائب حبل مرخى في يد الشيطان، يقود الشيطان به العبد حيث شاء، والبعد عن اللغو من أركان الفلاح، فينبغي على العباد أن يراعوا هذه القضية، فالكلام الطيب العف، الكلام اللين يجمل مع الجميع، يجمل مع الأصدقاء، والأعداء جميعا، وله ثماره الحلوة، وظلاله الوارفة، أما مع الأصدقاء فإنه تستدام به الصداقة.
ويدفع كيد الشيطان، واعلموا يرحمكم الله أنه يعظم خطر الأمانة حينما ندرك أنه معنى خفي إقامته على وجهه ورعايته كما يجب إنما يصدر من قلب صادق مع الله تعالي، ومن نفس قوية الإيمان ومن يد كريمة لم تتجرع ذل البخل ولا دناءته ومن عين لا يبهرها بريق الخيانة الزائف، وإن للأمن لنفس لوامة لا تتركه يتطاول على حقوق غيره ظلما أو بهتانا أو سرقة أو غلولا، وإلا فأين الأمانة، ولا ترجع الأنفس عن غيها ما لم يكن منها لها زاجر، قف بكل حزم أمام هذه النفس التي تنتشلك من سمو الأمانة إلى مهاوي الخيانة لتقول لها قفي أيتها النفس فالله بصير بحالي سميع لكلامي لا بركة لي في غير حقي ولا حق لي في ملك غيري، وسيسألني الله عن الصغيرة والكبيرة، فيا لقوة المحاسبة ونجاح النتيجة فهي نفس مؤمنة أمينة ومجتمع نزيه نظيف وحضارة على أسس متينة ورب راضي غير غضبان.