مقال

الصلح مع قريش يوم الحديبية

جريدة الأضواء المصرية

الصلح مع قريش يوم الحديبية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 23 أكتوبر 2024
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، لقد كان من بنود صلح الحديبية هو وضع الحرب لمدة عشر سنين فهو أيضا لصالح المسلمين فإن المسلمين لا يحاربون لإبادة الأرواح وإفناء الناس وقتلهم وإنما كانوا يحاربون القوات التي تصد الناس عن الدين وتحول بينهم وبين الإيمان فمادام أن الدعوة الإسلامية ستمضي وتسير بلا إعتراض من أحد فهذا هو الهدف الذي يريده المسلمون فإن حربهم للكافرين كان الهدف منها القضاء على من يقف في وجه الدعوة وقد حصل هذا الهدف بجميع أجزائه ولوازمه في هذا البند فتفرغ المسلمون لنشر الدعوة بعد أن كانوا منشغلين بحرب من يقف في وجهها.

وفعلا فقد كان عدد المسلمين قبل هذه الهدنة ثلاثة آلاف مسلم وبعد الهدنة صار عددهم عشرة آلاف منهم رجال من كبار قريش أسلموا كعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن أبي طلحة وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يكاتب الملوك والأمراء ويدعوهم إلى الإسلام، وأما البند الذي ينص على أن من أتى رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم من قريش رده عليهم ومن جاء قريشا من المسلمين لا يرد فليس فيه ما يشفي قريشا فإن من المعلوم عند المسلمين أن من آمن منهم وذاق حلاوة الإيمان فإنه لا يمكن أبدا أن يرجع للشرك أو يعود للظلمات بعد إذ أنقذه الله منها وإذا قدر أن أحدا منهم إرتد عن دينه ورجع إلى المشركين فإنه لا حاجة للمسلمين فيه وإنفصاله من المجتمع الإسلامي خير من بقائه فيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الإمام مسلم “من ذهب منا إليهم فأبعده الله”

وأما من أراد من المسلمين المستضعفين في مكة اللجوء إلى المسلمين في المدينة فإن عليه أن يلجأ لبلد غير المدينة لأن الإتفاق ينص على أنه إذا جاء أحد منهم إلى المدينة فليرد فعليه أن يذهب إلى بلد غير المدينة فأرض الله واسعة حتى يجعل الله له فرجا ومخرجا فيلتحق بالمسلمين في المدينة وقد هاجر المسلمون في بداية الدعوة إلى الحبشة قبل أن يهاجروا إلى المدينة وهكذا تجلت حكمة الله في هذا الاتفاق الذي سماه الله فتحا مبينا، وظهرت حنكة الرسول صلى الله عليه وسلم وعبقريته وقيادته حين سلم الأمر لله تعالي فقال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ولن يضيعني أبدا” فعندما عقد رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلح مع قريش يوم الحديبية فقد تبرم المسلمون في بداية الأمر من هذا الإتفاق وهذا الصلح الذي تم في الحديبية ورأوا أن فيه غبنا ودنية للمسلمين.

فهم خرجوا لأداء العمرة ولكن الإتفاق نص على أن يرجعوا هذا العام من غير عمرة ويأتوا في العام القادم وفيه أن من أتى المسلمين من قريش يرد ومن أتى قريشا من المسلمين لا يرد فجاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى، قال عمر رضي الله عنه أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال بلى قال عمر رضي الله عنه ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم “يا عمر إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ولن يضيعني أبدا” فقال عمر رضي الله عنه ألم تحدثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به فقال النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتك أنّا نأتيه هذا العام

قال لا قال فإنك آتيه ومطوف به فانطلق عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه متغيظا فقال له كما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبوبكر إستمسك بغرزه حتى تموت فو الله إنه لعلى الحق فأنزل الله تعالي قوله في سورة الفتح بسم الله الرحمن الرحيم ” إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا، هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ” فسمى الله سبحانه وتعالى هذا الصلح فتحا مبينا فلما قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الآيات ندم ندما شديدا على إعتراضه وقال يا رسول الله أفتح هو فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم، قال عمر رضي الله عنه فمازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق مخافة مما صنعت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى