مقال

المعلومات المضللة Misinformation” وتصدُّرها قائمة المخاطر العالمية في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2024م

جريدة الأضواء المصرية

“المعلومات المضللة Misinformation” وتصدُّرها قائمة المخاطر العالمية
في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2024م
==========================

يقول ابن خلدون: “إنّ الأخبار إذا اعتُمد فيها على مجرّد النّقل، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السّياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنسانيّ، ولا قيس الغائب منها بالشّاهد والحاضر بالذّاهب؛ فربّما لم يؤمن فيها من العثور ومزلّة القدم والحيد عن جادّة الصّدق، وكثيرا ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمّة النّقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرّد النّقل ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النّظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، فلا بدّ من ردّها إلى الأصول وعرضها على القواعد”.

ينتشر في الآونة الأخيرة تبادل أخبار ومعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون التثبت من صحتها، كما أن العديد من تلك الأخبار والمعلومات زائفة مغرضة، إما أن يكون هدفها التضليل أو التوجيه نحو وجهة ثقافية معينة أو نشر الوقيعة بين الناس أو دق أوصال الصراعات والخلافات والنزاعات بين الأفراد والمجتمعات.

ومن الواجب على كل إنسان عاقل قبل نقل المعلومات – سواء كان مصدرها جريدة أو مجلة أو مواقع الإنترنت أو وسائط التواصل الاجتماعي وغيرها – أن يتثبت مما ينقله، فلا ينبهر بسماع شيء، ويُبادر من أجل أن يكون له فضل السبق في نشره قبل التأكد منه، وهذا هو منهج الإسلام في نقل الأخبار والمعلومات، فالتثبت من صفات أصحاب العقل والرزانة، بخلاف العجلة فإنها من صفات أصحاب الرعونة والطيش، والتثبت دليل على رجاحة العقل وسلامة التفكير، أما العجلة فدليل على نقص في العقل وخلل في التفكير.

ومن السلوكيات الإسلامية المهمة؛ الحرص على عدم ترديد الإشاعات أو الأخبار قبل التحقق منها، فالإنسان مأمور بالتثبت والتبين، وعدم التحدث بكل ما يسمع حتى يتأكد من صحة حديثه، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” {الحجرات:٦}. وقال تعالى: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ …” {النساء:٨٣}. وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع”. رواه مسلم. وهذا تأديب من الله لعباده أن يردوا هذه الأخبار أو المعلومات إلى أهل العلم، فإن رأوا فائدة في نشرها نشروها بعد التأكد منها، وإن كانت المصلحة في كتمها كتموها وأمروا بكتمها.

وعلى الجانب الآخر يختلف الأفراد في آرائهم وتصوراتهم، كما أن الثقافة والتعليم والخبرات المتراكمة تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل وجهات نظر الأفراد، وفي تأثرهم بالأحداث من حولهم، وفي التواصل ولغة الحوار والتفاهم فيما بينهم، فمن جهة يوجد الانسان السطحي المتعجل الذي يأخذ بظواهر الأشياء دون التعمق في جوهر حقيقتها، وغالبا ما يجنح السائر في تلك الجهة إلى الكذب والاختلاق الذي لا أساس له من الصحة؛ لأنه يفتقد صدق المضمون وفحواه، و يقابله في الجهة الأخرى الإنسان المتعمق في التفاصيل الذي يبحث عن الحقائق برويه دون تعجل ويتحقق من الأمر عبر البحث الدؤوب والدراسة التفصيلية سعياً نحو تعميق المعرفة وصقلها وتوظيفها، ومن هنا يتجلى بوضوح أن خروج الفكرة الصحيحة إلى النور؛ يُشكِّل قوة كبيرة للفرد وقوة للمجتمع.

وهناك العديد من المخاطر والتحديات التي تواجه الأفراد والمجتمعات والدول، والتي ينبغي أن نكون على وعي تام بأبعادها والتفسير المنطقي لها. وقد حذر تقرير المخاطر العالمية 2024م الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي من مشهد المخاطر العالمية، والذي يتنبأ بحدوث تراجع في التنمية البشرية مما يتسبب في إضعاف الدول والأفراد من خلال تعرضهم لمخاطر ناشئة ومتجددة، وبهذا يعد تقرير المخاطر العالمية ركنًا أساسيًا في مبادرة المخاطر العالمية للمنتدى، والتي تهدف إلى نشر الوعي والوصول إلى إجماع حول المخاطر التي تواجه العالم بهدف تمكين الأطراف المعنية من الاستعداد لمجابهة المخاطر وتعزيز المرونة.

ونظرًا للتغيرات المنهجية التي تشهدها آليات القوى العالمية والمناخ والتكنولوجيا والتوزيع الديمغرافي، فإن المخاطر العالمية تفرض ضغوطًا كبيرة تستلزم العديد من الجهود من أجل تعزيز قدرة العالم على التكيف معها، حيث يؤدي ائتلاف المخاطر العالمية، الذي يضم قادة قطاع الأعمال والحكومات والأوساط الأكاديمية، دورًا حيويًا في ترجمة توقعات المخاطر إلى أفكار تسهم في اتخاذ خطوات استباقية دقيقة تدعم القادة بالمعارف والأدوات اللازمة لتخطي الأزمات الناشئة وبناء عالم أكثر استقرارًا ومرونة.

وقد ذكر تقرير “المخاطر العالمية 2024” أن التضليل والتزييف والاستقطاب المجتمعي الممارس عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي خاصة المرتبط باستعمالات تلك التقنيات للتشويش والتضليل الانتخابي، المتبوع بالتغيرات المناخية والحروب والضعف الاقتصادي والذي يأتي في مقدمة لائحة المخاطر العشرة القائمة للسنتين المقبلتين. وتتمثل المخاطر العشرة التي ذكرها التقرير في: (المعلومات المضللة والمزيفة، والأحداث المناخية القاسية، والاستقطاب المجتمعي، وانعدام الأمن السيبراني، والصراع المسلح بين الدول، والافتقار إلى الفرص الاقتصادية، والتضخم، والهجرة القسرية، والانكماش الاقتصادي، والتلوث) وأكد المشاركون في إعداد التقرير أن هذه المخاطر مجتمعة “تمارس ضغطًا شديدًا على القدرة التكيفية للعالم”، داعين بذلك كلًا من القادة والزعماء إلى التركيز على التعاون العالمي والتفكير في آليات حمائية تستطيع تصدي ومواجهة هذه المخاطر المهددة والمتنامية بسرعة فائقة.

وقد احتلت قضية “المعلومات المُضللة” مركز الصدارة بقائمة المخاطر العالمية لعام 2024م كونها بمثابة حرب علي وعي الشعوب، وذلك يأتي بالتزامن مع تصاعد حدة التهديدات البيئية، وقد حظيت المخاوف المتعلقة باستمرار أزمات تكاليف المعيشة، والمخاطر المتشابكة الناتجة عن المعلومات الخاطئة والمضللة المعززة بالذكاء الاصطناعي، والاستقطاب الاجتماعي، موقعًا متقدمًا في مشهد المخاطر العالمية لعام 2024م حيث تَعتمد تلك الأخبار الزائفة في انتشارها على أنواع مختلفة من المصادر، من أبرزها التضليل والتمويه الذي يرتكز على تضليل القارئ، عبر نشر الفكرة دون ترك فرصة للمتلقي للتحقق من صحة هذه الأخبار أو عدمها، هذا بالإضافة إلى زيف المصادر المعتمد عليها، وهو ذاك الأسلوب المتبع من قبل الصحف ومواقع الإعلانات والأخبار، والتي تهدف من خلاله إلى نشر صور ومواقف لأشخاص أو جهات والتعليق عليها بشكل مختلف كليًا عن المقصد الحقيقي للصورة أو الموقف أو الرأي للشخص المعلن عنه أو الجهة التي تتعلق هذه الأخبار بها، ولذلك فإنها من أبرز المخاطر العالمية المتوقعة في العام الجديد إلى جانب التحديات البيئية الأطول أمدا.

ومن المتوقع أن تحتل العلاقة بين المعلومات المضللة والاضطرابات الاجتماعية موقعًا متصدرًا في الانتخابات التي من المقرر إجراؤها في عدد من الاقتصادات العالمية الكبرى خلال العامين المقبلين؛ بسبب تضارب المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، وتداول الأخبار غير الصحيحة ونشر مقاطع الفيديو والمقاطع الصوتية المصطنعة بفعل تقنية الذكاء الاصطناعي كما جاءت أيضا النزاعات المسلحة بين الدول وغياب الفرص الاقتصادية، والتضخم، والهجرة غير الطوعية، والتلوث. وبالنظر إلى ما هو أبعد من ذلك، نجد أن قائمة المخاطر التي تغطي عشر سنوات يهيمن عليها تهديد كارثي، ألا وهو أزمة المناخ.

ومع وجود العديد من النزاعات الجارية حاليًا في أماكن مختلفة من العالم، فإن مخاطر التوترات الجيوسياسية تُشكل أكبر خطرًا علي الأسواق والاقتصاد العالمي وتراجع المرونة المجتمعية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط مما قد يؤدي إلى انتشار عدوى الصراع ،الذي تتسارع فيه القدرات التدميرية والتهديدات الأمنية التي تنتجها المعلومات المضللة عن طريق التلاعب بها بسبب تدهور الثقة في المعلومات والمؤسسات وانتشار الوصول المفتوح الى التكنولوجيا المتطورة علي نحو متزايد ، ومن المؤكد ستستفيد فئات واسعة من الجهات المختصة من ازدهار المحتوي الرقمي وتطور تقنيات صناعة المحتوي والتزييف العميق وذلك عبر آليات الذكاء الاصطناعي وأدواته مما قد يدفع الى تضخيم الانقسامات المجتمعية ، وتزايد أشكال العنف الأيديولوجي ، وانتشار خطابات الكراهية بين الشعوب.

والمعلومات التي يتم نقلها عبر التقنية؛ لا تُحدث آثارًا على مستوى الآراء والمفاهيم لدى الأفراد فحسب، ولكنها تُغير من مستوى الإدراك بدون أدني مقاومة، مثلما يُبالغ شخص ما في التعبير من أجل إيصال وجهة نظره، وفكرته ما تزال قائمة لم تنفذ علي أرض الواقع، إذ تمارس وسيلة الإعلام سحرها أو حيلها على الجهاز العصبي ذاته، ويمكن لذلك ان يمثل عقبة تعمي التركيز على محتوى وسيلة ما بالغة الأهمية؛ لأنها تجعلنا نستغرق في الانبهار أو الانزعاج من محتوى برنامجها امدا طويلا، لدرجة تجعلنا لا نُلاحظ حتي ما يجري داخل رؤوسنا ولا حتي تحديده، وفي نهاية الأمر نتظاهر بأن التقنية بحد ذاتها غير مهمة وأن ما يُهم هو كيفية استخدامنا لها وما عدا ذلك فيطرح جانبًا ولا يلتفت له. وتستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية بشكل متكرر البيانات من منصات مفتوحة المصدر مثل: ويكيبيديا، وبالرغم من أن هذه المنصات توفر ثروة من المعلومات وتعزز الشمولية، إلا إنها تفتقر إلى المراجعة الصارمة من جانب النظراء المتخصصين الذين يتمتعون بالمهارات الفائقة أكاديميا عبر المصادر الأكاديمية أو صحفيا عبر الصحافة التقليدية، وقد يؤدي ذلك إلى نشر معلومات متحيزة أو لم يتم التحقق منها.

و غالبًا ما نميل إلى جعل الأدوات الرقمية كبش فداء لآثام هؤلاء الذين يُحكِمون سيطرتهم عليها، فمُنتجات العلم الحديث ليست سيئة أو جيدة بحد ذاتها، إنما في الطريقة التي تُستخدم بها هذه المُنتجات لأنها هي التي تُحدد قيمتها، فمحتوى أي وسيلة إعلامية ما هو إلا قطعة اللحم التي يحملُها اللص لتشتيت انتباه كلب حراسة العقل، وتضع شبكة الانترنت أمام أعيننا طبق يليه طبق آخر، و كل طبق تقدمه يكون أشهى من الذي يسبقه، وهي حيلة ماكرة تعمينا من خلالها عن التركيز او حتي التقاط الانفاس لبرهة نرتاح بين كل وجبة وما تليها، و بالطبع ذلك نظرا لسهولة الوصول إليها والاستمتاع بها في كل زمان ومكان . والأمر جد يرتبط هنا بتسخير هذه التقنيات لتحسين أداء البشر، في أمورٍ يبذلون فيها بالفعل قصارى جهودهم. وفي هذا الصدد يقول زيتراين : “عملنا لا ينصب على القلقٍ إزاء قدرة إنسانٍ آلي من إحدى قصص الخيال العلمي على السيطرة، وإنما يرتبط أكثر بأن نرى كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لتعزيز التفكير والتأمل البشريين، وعملية صنع القرار التي يقوم بها بني البشر”، لا أن تشكل تلك الأجهزة بديلاً للبشر في هذا الأمر بالكامل.

إن المعلومات المضللة ليست مجرد أخبار كاذبة يتم الترويج لها عن طريق الخطأ، ولكن يكمن الهدف منها في الخداع المتعمد لمتلقيها أو التأثير عليهم، فالهدف مقصود تماما ومخطط له من أجل ترويجها، وتتعدد أشكال المعلومات المضللة، إما في شكل فيديو مبتور من النص أو صورة أو ادعاءات مضللة، وقد تحتوي على معلومات حقيقية يحصل ليها قطع من بعض الأجزاء لأغراض (التخويف وبث الرعب/ إثارة الفتن/ تشتيت المجتمع وغيرها)، وتزيد تلك المعلومات المضللة من حالة القلق بصورة مفرطة لتحث من لديهم استعداد على استقبالها وتصديقها، وتلعب علي تزايد مستوى الإحباط والانكسار.

ومن العوامل التي تجعل تلك المعلومات تؤثر بصورة سلبية وفورية؛ سرعة تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووصولها لعدد لا متناهي من الأفراد، ولا شك أن انتشارها يؤدي لفقدان الاستقرار والتواصل السليم داخل المجتمع، ويزيد من التوتر والانقسامات، ويفقد الثقة بين الناس والمؤسسات، بجانب التأثير السلبي على صحتنا النفسية، واتخاذ قرارات خاطئة ممكن تدهور من الحالة العامة للمجتمع، وممكن بسبب تلك المعلومات المضللة إيقاف نشاط مستثمر ما أو نقله لمنطقة أخرى/ أو غلق مشروع إيجابي مفيد للمجتمع/ أو فصل شخص من عمله/ أو طلاق زوجة.

وقد يكون من الصعب التراجع عن آثار المعلومات المضللة بمجرد أن يعتقد الأفراد أنها صحيحة ويمكن أن يؤدي التحقق من المعلومات إلى نتائج عكسية، وإن محاولة تصحيح الاعتقاد الخاطئ أمر صعب لأن المعلومات المضللة قد تناسب الأسباب التحفيزية أو المعرفية لشخص ما.

أحد الجوانب الرئيسية التي أظهر الذكاء الاصطناعي تقدماً ملحوظاً فيها هو مجال تدقيق المعلومات، وفي الوقت نفسه؛ يعد الذكاء الاصطناعي سبباً رئيسياً لتوليد التزييف العميق ونشر المعلومات الخاطئة/المضللة مما يجعل عملية تدقيق المعلومات أكثر صعوبة، ويشجعنا على تطوير تقنيات جديدة لتسهيل عملنا. وفي عالم تنتشر فيه المعلومات الخاطئة والمضللة بكثافة، ينبغي أن نتعامل بحذر مع المعلومات التي تواجهنا وبشكل أكثر إيجابية، مع مراعاة العديد من الضوابط من أبرزها ما يلي.

 استقبال المعلومة بين التحقيق والتحقق
ينبغي الوقوف على حقيقة المعلومة والكشف عنها والبحث عن الأدلة اللازمة لمعرفة مدى صلاحيتها وتمحيصها للوصل إلى حقيقة المعلومة، والغرض الرئيسي من تدقيق المعلومات ومرجعتها هو تقييمها من أجل التحقق والتأكد من مصداقيتها. تقول “بروك بوريل” وهي صحفية وكاتبة في دليل شيكاغو للتدقيق بالحقائق: “أفضل السيناريوهات أن يقوم شخص آخر غير الكاتب، المحرر أو المنتج بالتدقيق بالحقائق”. وتقول بوريل: “في هذه الحالة فإن الشخص الذي يدقق بصحة الحقائق سيتحقق من كل أمر في القصة ويؤكده مقابل المادة الموجودة في المصدر الأساسي، بما في ذلك في بعض الأحيان إعادة مقابلة المصادر”، مضيفة كيف أن في بعض الأحيان هناك حاجة للمزيد من التقارير والمصادر الأصلية.

 الوعي بالمعلومة في إطارها بين اليقين والشك
يرتبط اليقين بالثقة، كما يرتبط بالاعتقاد القوي في شيء معين، ولليقين درجات، أولها: اليقين القوي (المطلق)، وهو الاعتقاد الثابت والقوي بشيء دون أدنى شك، ويكون هذا النوع من اليقين متيقنًا تمامًا من صحة الأمر. وثانيها: اليقين المشروط أو المرتبط بظروف معينة كأن يكون الشخص متيقنًا من المعلومة، ولكن في بعض الحالات، مثل: الرجوع إلى مصادرها والتأكد بها من خلال عدد من الشواهد والأدلة. وثالثها: اليقين النسبي، وفيه يعبر الشخص عن اعتقاده بشيء معين، لكنه يمكن أن يكون معرضًا للشك أو التردد. وخلاصة القول إن اليقين يعد جزءًا أساسيًا من تفكير الإنسان واعتقاداته، ويؤثر على قراراته وتصرفاته، فلا بُد من إدراك درجة اليقين حول كل معلومة قبل تداولها.

 إقرار المعلومة في ظل “إسناد القول لأهله”
إن التثبت (الإسناد) من نسبة القول إلى قائله، في كل ما نطلع عليه – وذلك مطلب شرعي – والطريق لإثبات الأخبار والأقوال والوقائع هو السند أو الإسناد، الذي هو: سلسلة الرواة التي حصل بها تلقي الخبر، وذلك ترابطاً مع الكلام (أو النص) الذي انتهى إليه السند، تأكيداً على مصداقيته، وقال القاسمي رحمه الله في هذا الصدد: “اعلم أن الإسناد في أصله خَصيصة فاضلة لهذه الأمة ليست لغيرها من الأمم”. ومن زُبَد الأقوال في ذلك ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ومن المعلوم أن المنقولات لا يميز بين صدقها وكذبها إلا بالطرق الدالة على ذلك، وإلا فدعوى النقل المجرد بمنزلة سائر الدعاوى”، فلا بد أن يكون مصدر المعلومة في اعتباري على الدوام.

 التعامل مع المعرفة بين السطحية والتعمق
إن التعامل مع المعرفة يمكن أن يكون متعمقًا أو سطحيًا، ويكون ذلك حسب السياق والهدف، فالتعامل السطحي أحياناً يتميز بالبساطة والتصور العام، وقد يكون مفيدًا للمعلومات العامة والمواضيع البسيطة، كما قد يكون مفيدًا في المحادثات اليومية والتواصل الاجتماعي، أما التعامل المتعمق يتطلب دراسة وتحليل أعمق، ويستخدم للبحث العلمي وتحري المعلومات التي لها تأثير على حياة الأفراد والمجتمعات، كما يساعد في فهم السياق والتفاصيل والتحليل. وخلاصة القول إن التعامل مع المعرفة يعتمد على الهدف والمستوى المطلوب، فيمكن أن يكون الاستفادة من المعرفة سطحية أو عميقة حسب الحاجة والمتطلبات.

وقد سلط تقرير “المنتدى الاقتصادي العالمي” الضوء على عدد من الإجراءات الأخرى التي يجب ألا تعتمد بشكل حصري على التعاون الدولي، ومن ضمنها دعم مرونة الأفراد والدول من خلال تنظيم حملات التثقيف الرقمي حول المعلومات الخاطئة والمضللة، وتعزيز جهود الأبحاث والتطوير حول نمذجة المناخ والتقنيات المتعلقة به بهدف تسريع عملية التحول في مصادر الطاقة، وبمشاركة فاعلة من القطاعين العام والخاص.

وختاماً؛ ينبغي ان ندرك تماماً خطورة المعلومات المضللة على مجتمعنا، والتي تسعى إلى تفكيك نسيجه وإضعاف الروح المعنوية، فاحذر من المعلومات المضللة، دقق – تحري – ابحث – انقد – لا تمشي وراء قطيع بلا هدف، فالسَّراب كالماء من بعيد، لكنه من قريب لا شيء، وليس كل ما يلمع ذهباً.

والله تعالي من وراء القصد، وصلي الله وسلم على سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.

د/ أحمد عبد الفتاح حمدي الهنداوي

= تقرير المخاطر العالمية 2024م، متاح على الرابط التالي:
https://drive.google.com/drive/folders/1Gb3F9mdyOM40amADBZPvJRtMtoMSECKw

= المقال، متاح على الرابط التالي:
https://jsrep.journals.ekb.eg/article_363032.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى