مقال

هذا الحبيب الحلقة «189

🌴 هذا الحبيب الحلقة «189»🌴
من السيرة النبوية العطرة (( غزوة بني المصطلق وموقف المنافقين)) :
نحن الآن في مطلع السنة الخامسة من الهجرة، وقد بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن قبيلة{{بنو المصطلق}}تستعد لغزو المدينة، فمن هي هذه القبيلة ؟ .
هي أحد بطون قبيلة {{ خزاعة }}، ومعنى (المصطلق) في اللغة الصوت العالي في الغناء،فقد كانوا مشهورين بالغناء والأصوات الجميلة .
وديار خزاعة منتشرة على الطريق من مكة إلى المدينة، ولذلك فإن موقعها مهم جداً في الصراع بين المسلمين وقريش، فلهذا اتخذت خزاعة موقفاً محايداً بالنسبة لهذا الصراع، فهي لم تدخل مع قريش في عداء المسلمين، وفي الوقت نفسه لم يدخلوا في الإسلام؛ لأنّ خزاعة في طريق تجارة العرب إلى الشام، وأيضاً فيها أحد أصنام العرب المشهورة وهو (( مناة )) كما يُقال ، فكان العرب يحجون إلى هذا الصنم، لذلك كان لخزاعة مصالح مادية ومعنوية مع الجميع ،فاتخذت موقفاً محايداًباستثناء بني المصطلق،الذين
اتخذوا موقفاً معادياً للمسلمين، لدرجة أنهم اشتركوا مع قريش في غزوة أحد ضد المسلمين واسم سيّدهم هو{{الحارث بن أبي ضرار}} والذي اتخذ قراره الآن بتجميع القبائل لغزو المدينة .
وصلت هذه الأخبار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن تأكد من نيّةبني المصطلق في غزوالمدينة جهز جيشاً يتكون من {{ ٧٠٠ مقاتل و ٣٠ فارساً }} ، وقرر أن يباغتهم في عقر دارهم [[ ومباغتة الأعداء من صفات القائد الناجح، وكان من سنّته عليه الصلاة و السلام أن يباغت عدوه في داره، فكان يسير ليلاً ، ويكمن في النهار ؛ حتى يُعمي عيون الأعداء عنه قدر المستطاع ]] ، والمسافة بين المدينة وبين بني المصطلق حوالي((400)) كم .
خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم من نسائه السيدة عائشة رضي الله عنها ، وقد أعطى الرسول لواء المهاجرين لأبي بكر رضي الله عنه ، وأعطى لواء الأنصار لسعد بن عبادة رضي الله عنه ،
وصل المسلمون قريباً من بني المصطلق، وعسكروا هناك عند عين ماء اسمها {{ المريسيع }} [[ سمّيت بذلك لأنّ ماءهايخرج ببطء، ويحتاج وقتاًحتى يتجمع ليحملوه ، وشبّهوها بعين الإنسان لأنها تدمع قليلاً قليلاً]].
فلما وصل بنو المصطلق إلى عين المريسيع ليشربوا منها، ويتجهزوا للمضي نحو المدينة ليغزوها، باغتهم المسلمون وأغاروا عليهم عند عين الماء ، فوقع رجالهم في الأسر وأصبحت نساؤهم سبايا للمسلمين، وقد بلغ عددهن أكثر من (١٠٠) سبيّة، كما غنموا منهم الآلاف من الإبل والأغنام والكثير من الأموال والمتاع والمصاغ والسلاح، وحقق المسلمون انتصاراً ساحقاً وسريعاً .
كان في جيش المسلمين رئيس المنافقين{{ عبدالله بن أبي سلول }} الذي سال لعابه على هذه الغنائم الكثيرة، وكان في الجيش أيضاً ابنه الصحابي عبد الله رضي الله عنه .
قسّم النبي عليه الصلاة و السلام الغنائم خمسة أخماس، وزّع أربعة منها على الجيش فوراً، واحتفظ بالخمس الخامس لله ولرسوله .
فلما قُسّمت الغنائم، دخلت النساء في السبي، وكان في السبايا ابنة الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق واسمها جويرية رضي الله عنها [[ لأنها أسلمت وأصبحت بعد ذلك أماً للمؤمنين،وزوجة النبي صلى الله عليه وسلم ]]، وهي فتاة عاقلة راشدة تحسن تدبير الأمور، ووقعت الآن في السبي،وأصبحت من نصيب أحد الصحابة وهو{{ ثابت بن قيس بن شماس }}، فعرضت عليه على الفور المكاتبة، فكاتبته على نفسها ،[[ يعني اتفقت معه أن تدفع له مبلغاً من المال مقابل أن يعتقها، كمايفعل السيد وعبده ليصبح حراً،وكان هذا النظام موجوداً عندالعرب،وقد أقر الإسلام هذاالنظام قال الله تعالى : {{ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا }}بل وجعل الإسلام هذا النظام واجباُ، فكان ذلك من أساليب الإسلام في إلغاء الرق ]].
ثم استأذنته كي تذهب وتدبّر أمرها، واتجهت نحو خيمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان في خيمته أم المؤمنين عائشة .
قالت : أنا جويرية بنت الحارث سيد القوم، وأنا {{ أشهد أن لا إله إلا الله وأن مُحَمداًرسول الله}}،وقد أصابني من البلاء ما لا يخفى عليك، فكاتبت على نفسي، فجئت أستعينك على كتابتي، وأطلب منك العون .
(( وبالحقيقة فإنّ سبي النساء في هذه الغزوة أشغل تفكير النبي،فكيف نسبي(مئة)بيت من أعزبيوت العرب!! والآن جاءت الفرصة للنبي لتجنّب ذلك ما أمكن ))،فقال لها عليه الصلاة والسلام : ” أقضي كتابك مع ثابت بن قيس وأتزوجك ” ، بمعنى أدفع لثابت بن قيس المبلغ كله، وتكونين حرة، ويكون هذا المبلغ هو مهرك ، فقالت: نعم يا رسول الله قد فعلت .
فشاع الخبر بين الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج بنت الحارث بن ضرار ، فقال الصحابة : أصبح بنو المصطلق أصهار رسول الله، فردّ كل الصحابة الأسرى الذين في أيديهم إلى ذويهم حباً وكرامة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما كان يرجوه عليه الصلاة والسلام من هذا الزواج ،وكان هذا حدثاً فريداً لم يحدث في تاريخ الجزيرة .
تقول عائشة رضي الله عنها : ” قد أُعتق رسول الله بتزويجه إياها مائة بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها ” . فلما رأى بنو المصطلق هذه الأخلاق والكرم ، دخلوا في الإسلام .
وعودة إلى صورة المنافقين الآن ؛ فقلوبهم تمتلئ غيظاً من المسلمين، خاصة {{ ابن أبي سلول }}، فقد استرد المسلمون الغنائم من أيديهم، وردوها إلى بني المصطلق، والمنافقون ما خرجوا أصلاً إلا لهذه الغنائم، فغاظه ذلك، وأخذ يترقب فرصة ليفتن بين صفوف المسلمين؛ وهاهي الفرصة قد حانت له عندما تنازع عند عين الماء رجلان أحدهما من المهاجرين والآخر من الأنصار، وكل واحد منهما يريد أن يسقي قبل الآخر وتطور الأمر إلى الضرب، فصاح الأنصاري : يا للأنصار ، وصاح المهاجر : يا للمهاجرين، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم الصراخ كما سمع الناس،فخرج من خيمته مسرعاً نحو الصوت،ورفع كلتا يديه ليؤدبهما أمام الناس ويقول:أبدعوى الجاهلية تدعون ، وأنابين ظهرانيكم ؟دعوها فإنهامنتنة [[يعني إياكم والتعصب لأحدبالباطل كالتعصب للقبيلةوالبلد، وإنما شأن المؤمن أن يقف مع الحق، وأن ينصر المظلوم برفع الظلم عنه، وينصر الظالم بحجزه ومنعه عن الظلم، ويجب أن نبتعد عن عادات الجاهلية الذميمة، ويجب أن يكون انتماؤنا للإسلام فقط ]] .
أصلح عليه الصلاة و السلام الأمر في اللحظة نفسها وتصافى المتخاصمان وانطلق كل واحد منهما في سبيله، لكن المنافقين وجدوها فرصة لهم لإحداث فتنة بين المهاجرين والأنصار ، وعلى رأسهم {{ ابن أبي سلول }} حيث قال :
أَوقد فَعلُوها ؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل [[ يعني أن المهاجرين قد قويت شوكتهم علينا ونحن الذين آويناهم!! فيأتي واحد منهم فيرفع السيف بوجهنا ؟؟ .
نحن الأنصار أعزاء وأصحاب الديار، والمهاجرون هاربون ومشتتون ولاجئون عندنا فهم أذلاء … ؟؟ !! ]]
نقل بقلم المحرر/سيد عبدالتواب السويفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى