مقال

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 12″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام العز إبن عبد السلام ” جزء 12″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثاني عشر مع الإمام العز إبن عبد السلام، وراجعه السلطان فأصر وأبى، وقبل السلطان استقالته، وعين أحد نوابه صدر الدين الموهوب الجزري في الحكم منابه، وهكذا انتهت ولاية القضاء في حياة العز، وقال ابن العماد الحنبلي ثم عزل نفسه من القضاء، وعزله السلطان من الخطابة، فلزم بيته يشغل الناس ويدرّس، وأخذ في التفسير في دروسه، وهو أول من أخذه في الدروس، وأما عن الرسالة القشيرية التي يُقال أن العز بن عبد السلام كان يقرأها، وذهب فريق من المعاصرين إلى نفي التصوف عن العز، وأن التصوف يتنافى مع عقلية العز الفكرية والاجتهادية القائمة على إعمال العقل في النصوص، وتتعارض مع سيرة العز في الحياة ومواقفه وفتاويه وكتبه ومصنفاته، وتوسط آخرون إلى الاعتراف بتصوف العز على طريقته الخاصة.

 

وطريقة السلف التي تجمع بين العلم والعمل، وقد أنكر العز ما يصدر عن بعض المتصوفة من الرقص والسماع فقال وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلى راعن أو متصنع كذاب، وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه، وذهب قلبه، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم” ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يُقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك، وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل، ولقد مانوا فيما قالوا، وكذبوا فيما ادعوا، ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور من رقص ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل، ولما سُئل العز عن الإنشاد والتواجد.

 

والرقص والسماع أجاب الرقص بدعة، لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء، وأما سماع الإنشاد المحرك للأحوال السنية بما يتعلق بالآخرة فلا بأس به، بل يندب إليه عند الفتور وسآمة القلوب، لأن الوسائل إلى المندوب مندوبة، والسعادة كلها في اتباع الرسول صلي الله عليه وسلم، واقتفاء أصحابه الذين شهد لهم بأنهم خير القرون، ولا يحضر السماع من في قلبه هوى خبيث، فإن السماع يحرك ما في القلوب من هوى مكروه أو محبوب، والسماع يختلف باختلاف السامعين والمسموع منهم، وهم أقسام، ويقول محمد الزحيلي والخلاصة أننا نرى أن العز كان صوفيا حسب قواعد الشرع، ومن الناحية الفكرية والقلبية والروحية، وبحسب المعنى العام الوارد في الشرع عن هذا الجانب التربوي في الإسلام، وأنه ملتزم بكل ما جاء في القرآن والسنة.

 

من التربية الروحية والقلبية والتهذيب النفسي، ولم يكن متصوفا بالمعنى الاصطلاحي والعرفي، ولم ينتسب إلى طريقة يلتزم بطقوسها ومصطلحاتها وقواعدها، ولم يدخل في المتاهات الغامضة التي تحتمل الظاهر والباطن، والصحيح والفاسد، وتلقى العز بن عبد السلام العلم على جلة علماء دمشق وبغداد والقاهرة، وقد ذكر ابن السبكي أهم شيوخ العز وأشهرهم وبين اختصاصهم، فقال تفقه على الشيخ فخر الدين بن عساكر، وقرأ الأصول على الشيخ سيف الدين الآمدي وغيره، وسمع الحديث من الحافظ أبي محمد القاسم بن الحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر، وشيخ الشيوخ عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد البغدادي، وعمر بن محمد بن طبرزد، وحنبل بن عبد اللطيف الرصافي، والقاضي عبد الصمد بن محمد الحرستاني، وغيرهم، وحضر على بركات بن إبراهيم الخشوعي.

 

كما تفرّغ العز بن عبد السلام للتعليم وإلقاء الدروس في المدارس والمساجد والبيوت حتى وفاته، واجتمعت في حلقاته ودروسه الجموع الغفيرة من أهالي دمشق والقاهرة، ولما اشتهر وذاع صيته قصده الطلبة من أصقاع العالم الإسلامي، لذلك قال ابن كثير وأفاد الطلبة، ودرّس بعدة مدارس، وانتهت إليه رئاسة الشافعية، وقصد بالفتاوى من الآفاق، وقال ابن العماد الحنبلي وبلغ رتبة الاجتهاد، ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد، وقال الكتبي ودرّس وصنف وأفتى وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من البلاد، وتخرّج به أئمة، وله الفتاوى السديدة، وأما أشهر تلاميذه فمنهم، إبراهيم بن العز بن عبد السلام، وعبد اللطيف بن العز بن عبد السلام، وابن دقيق العيد، وتاج الدين بن بنت الأعز، وأبو شامة المقدسي، وعبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري، المعروف بالفركاح.

 

وشهاب الدين القرافي، وعبد الوهاب بن الحسين بن عبد الوهاب المهلبي البهنسي، وترك العز بن عبد السلام العديد من الكتب والمصنفات والرسائل، إلا أن هذا الإنتاج لا يتناسب مع مكانة العز وعلمه وتحصيله، ولذلك قال فيه اليافعي اليمني وهو من الذين قيل فيهم علمهم أكثر من تصانيفهم، لا من الذين عبارتهم دون درايتهم، ومرتبته مع السابقين من الرعيل الأول، والسبب في ذلك هو أن العز كان مشغولا بالمناصب الرسمية وأعمال الأمة ومتاعب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن مؤلفاته هو كتاب تفسير العز بن عبد السلام، وهو مختصر تفسير كتاب النكت والعيون للماوردي، وأيضا من مؤلفاته هو الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، ويختصر أحيانا باسم مجاز القرآن، واختصره ابن النقيب في مقدمة تفسيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى