مقال

الدكروري يكتب عن القلب الطيب والخبيث ” جزء 2″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن القلب الطيب والخبيث ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع القلب الطيب والخبيث، وإن الخطايا والذنوب للقلب بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولذلك كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب، واشتد ضعفه ومقاومته للباطل، والماء يغسل الخبث، ويطفئ النار، فالقلب والبدن بأشد الحاجة إلى ما يطهرهما ويبردهما ويقويهما، وقلوب البشر لها آفات وعلل، وأمرض وأسقام، والحسد من الأمراض العظيمة التي تصيب القلوب، ولا تداوي أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن يعرف الإنسان أن الحسد ضرر عليه في الدنيا والدين، أما في الدين فيعني سخطك على قضاء الله تعالى، وهو تعبير عن كراهيتك نعمته التي قسمها بين عباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بحكمته، فاستنكرت وكرهت وتبرمت من ما قضاه الله وقدّره واختاره لعبده، وهذه جناية كبرى على التوحيد والإيمان والدين.

 

وأما كونه ضررا عليك في الدنيا، فهو ألمك فيها، وعذابك بها، فالذين تحسدهم لا يخليهم الله من نعم يفيضها عليهم بسبب حسدك، فلا تزال تتألم بكل نعمة تراها، وتتعذب بكل بلية تصرف عنهم، فتبقى مغموما محروما، فحسدك نار تحرق بها نفسك دون أن تحرق بها الآخرين، ومن أمراض القلوب حب الدنيا فكرا وطلبا وتمتعا والإعراض عن الآخرة، وإن من اتخذ الدنيا ربّا اتخذته عبدا، والعاقل من يرضى منها بالقليل مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بقليل الدين مع سلامة الدنيا، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره، وإن الدنيا والآخرة ضرّتان، فبقدر ما ترضي إحداهما تسخط الأخرى، وبقدر ما تعمر إحداهما تهدم الأخرى، وبقدر ما تقدم إحداهما تؤخر الأخرى، وطالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا، حتى يقتله الشرب، والدنيا سريعة الفناء.

 

تعد بالبقاء ثم تخلف في الوفاء، وأنت أيها العاقل اللبيب عليك أن تتخلى عند إحداهما، فأيهما ستبقي؟ ومن أمراض القلب هو الحرص والطمع، وينتج عن الحرص والطمع البخل والشح، وهو من أمراض القلوب، فسبب البخل والشح الطمع والحرص وحب المال، وهذا مرض للقلب عظيم، عسير العلاج، إن المال وسيلة إلى مقصود صحيح، وقد يجعل منه آلة ووسيلة إلى مقاصد فاسدة، فهو بحسب استخدامه يكون محمودًا أو مذموما، ولما كانت الطباع مائلة إلى اتباع الشهوات القاطعة عن سبيل الله، وكان المال مسهلا وآلة إليها، عظم الخطر فيما يزيد على قدر الكفاية من المال، فعلى العبد القناعة، فإن تشوف إلى الكثير أو طول أمله فاته عز القناعة، وتدنس لا محالة بالطمع وذل الحرص، وجرّه الحرص والطمع إلى مساوئ الأخلاق، وارتكاب المنكرات الخارقة للمروءات.

 

والوقوف بأبواب اللئام، فإذا تيسر للعبد في الحال ما يكفيه، فلا يضطرب لأجل المستقبل، ويعينه على ذلك قصر الأمل، واليقين بأن الرزق الذي قُدر له لا بد أن يأتيه وإن لم يشتد حرصه، وأن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء، وما في الحرص والطمع من الذل، ثم ينظر في أحوال الأنبياء والأولياء، ويخير نفسه بين أن يكون مقتديا بأعز الخلق عند الله، أو مشابها لأراذل الناس، وعليه أن يفهم ما في جمع المال من الخطر، ففي حالة الفقر ينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة الحرص، وإن كان غنيا فينبغي أن يكون حاله الإيثار والسخاء وبذل المعروف، والتباعد عن الشح والبخل، فإن الجود من أخلاق الأنبياء، فالصحيح قد يأتيه جرثوم، قوة مناعته كبيرة فيرده ويقضي عليه، لكن ضعيف المقاومة وضعيف المناعة أضعف الجراثيم يجعله مريضا، يقعده في الفراش.

 

كذلك مرض القلب، أي شيء يفتنه، أي شيء يصرفه عن الحق ويغريه بالمعصية، لأنه في الأصل مريض، البرد قد يصيب الصحيح فلا يتأثر به عنده مقاومة، ومن كان قلبه سليما لا يتأثر بالمغريات، ولا بمظاهر القوة التي يراها عند الكفار، ولكن القلب المريض يضعفه أي شيء، فلذلك القلب المريض يزداد مرضا، وفى النهايه إن أردت أن تتقرب إلى الله لا تكفيك الاستقامة، لابد من عمل صالح ماذا بذلت؟ ماذا أعطيت لهؤلاء المسلمين؟ ماذا قدمت لعباد الله الصالحين؟ ماذا قدمت لخلق الله أجمعين؟ ماذا قدمت لغير البشر؟ هل عالجت قطة؟ هل أطعمت جائعا؟ هل سقيت حيوانا يعاني من العطش؟ لقد غفر الله لامرأة رأت كلبا يأكل الثرى من العطش، هل لك عمل صالح؟ هل حملت بعض هموم المسلمين؟ هل أنفقت بعض مالك ووقتك وجهدك الذي لا تملك إلا غيره أحيانا؟ هل أنفقت من علمك وربيت أولادك؟ لابد من حركة نحو الله عز وجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى