مقال

ماذا عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الأول “

ماذا عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الأول ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

إن رحلة الإسراء والمعراج من الأحداث الضخمة من تاريخ الدعوة الإسلامية، ولقد سبقته البعثة المحمدية وجاء هذا الحادث قبل الهجرة، وهي حادثة جرت في منتصف فترة الرسالة الإسلامية ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة، منذ أن أعلن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد أرسل إليه أمين الوحى جبريل عليه السلام ليكلفه برسالة دينية يبلغها إلى قبيلته قريش ومن ثم إلى البشرية جمعاء، وأن رسالته متمة وخاتمة للرسالات السماوية السابقة، ويعد حدث الإسراء هى الرحلة التي أرسل الله تعالى بها نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على البراق مع أمين الوحى جبريل عليه السلام ليلا من بلده مكة المكرمه من المسجد الحرام إلى بيت المقدس في فلسطين، وهي رحلة استهجنت قبيلة قريش حدوثها لدرجة أن بعضهم صار يصفق ويصفر مستهزئا، ولكن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصر على تأكيدها وأنه انتقل بعد ذلك من القدس في رحلة سماوية بصحبة جبريل عليه السلام على دابة تسمى البراق وعرج به صلى الله عليه وسلم إلى الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى أي إلى أقصى مكان يمكن الوصول إليه في السماء وعاد بعد ذلك صلى الله عليه وسلم في نفس الليلة، ومن هنا يقول الله تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” ولقد تكالبت الأحزان على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وزادت عليه همومه وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.

وعمه أبي طالب في عام واحد، فالسيدة خديجة رضى الله عنها كانت خير ناصر ومعين له بعد الله سبحانه وتعالى، وعمه كان يحوطه ويحميه، ويحبه أشد الحب، وضاعف من حزنه صلى الله عليه وسلم أنه مات كافرا، وتستغل قريش غياب أبي طالب فتزيد من إيذائها للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتضيق عليه، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم، حتى إنه كان يلاحق النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج ، وفي الأسواق يرميه بالحجارة ويقول” إنه صابئ كذاب ” ويحذر الناس من اتباعه، فضاقت مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به الحال، حتى فكر في أن يتخذ أسلوبا آخر في دعوته بتغيير المكان، لعله أن يجد قبولا، فاختار الخروج للطائف، التي كانت تمثل مركزا مهما لسادات قريش وأهلها، ومكانا استراتيجيا لهم، حيث كانوا يملكون فيها الأراضي والدور، وكانت راحة لهم في الصيف، فعزم على الخروج إليها راجيا ومؤملا أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فخرج على أقدامه حتى لا تظن قريش أنه ينوي الخروج من مكة، وكان في صحبته غلامه زيد بن حارثه وهو ابن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتبني، وكان بمثابة الحامي والحارس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع السبل، وأخذ الحيطة والحذر، أقبل على الطائف وكله أمل أن تكون أرض خير وإسلام، لكن كانت المفاجأة، فإنها الذكرى التى سبقَت حادثة الإسراء والمعراج، فهذه الذكرى هي رحلة سيد البشرية.

هى رحلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، تلك الرحلة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أدرك وعلم أنه لا مقام له بمكة بعد موت عمه أبي طالب، وزوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكثرة إيذاء المشركين له، فلقد أسرفوا في إيذائه إسرافا بعيدا عن الكرامة والإنسانية، فقد كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يمر في السوق، فينثرون على رأسه التراب، فيذهب الصابر المحتسب إلى بيته فتغسله ابنته السيدة فاطمة الزهراء، وكان عمرها آنذاك ثلاث عشرة سنة، فتسأله السيدة فاطمة رضى الله عنها وهي تبكي ما هذا الذي أرى يا أبتاه؟ وتمرح الابتسامة النبوية الشريفة على شفتيه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها “لا تبكي يا بنية، إن الله مانع أباك” حقا فإنه هو نداء الحق الذي لا يتزعزع، هذا هو الثبات على المبدأ والعقيدة، وتظل السيدة فاطمة رضى الله عنها تبكي، وتقول له وهل يبقى هذا يتبعك يا أبتاه؟ فيرد عليها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “سأغادر مكة يا فاطمة” إلى أين يا أبتاه؟ فيقول صلى الله عليه وسلم”إلى مكان يُسمع فيه صوت الحق، ويعينني على أعدائي” حتى إنه صلى الله عليه وسلم صوَّر هذه الحقيقة بقوله “ما نالت منى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب” فقرر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أن يخرج بالدعوة من مكة إلى الطائف لعله يجد بينهم من يؤمن بهذه الرسالة الخالدة، ويطلب النصرة والعون من أهلها، ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله تعالى، ولكن كيف وصل النبى الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف؟

وكيف استطاع أن يقطع كل هذه المسافة؟ أو هل سار على الأقل على بعير أصيل؟ فالإجابة هى لا، إنما سار إلى الطائف على قدميه الشريفتين، وتصوروا المشقة التي لاقَت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة من مكة إلى الطائف، والطائف تبعد عن مكةَ المكرمة حوالي أكثر من خمسة وثمانين كيلو مترا، وكل هذه المتاعب والمحن والشدائد من أجل ماذا؟ هل من أجل الحصول على الجاه؟ هل من أجل الحصول على المنصب؟ هل من أجل الحصول على المال؟ هل من أجل الحصول على الملذات والشهوات؟ هل من أجل الحصول على الشهرة؟ لا، بل من أجل أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن أجل الدين والعقيدة، وفي الطائف التي وصلها صلى الله عليه وسلم بعد جهد طويل يتعرض لبلاء أكبر، لقد التقى بنفر من سادة ثقيف، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى الدين الجديد، وعرض عليهم المهمة التي جاء من أجلها، وطلب منهم السند والعون، ولكن أهل الطائف لم يكونوا أشرف من سادة قريش، فقد ردوه ردا عنيفا، وكيف تقبل ثقيف دعوته، وعندهم صنمهم المعبود المقدس اللات، الذي تزوره العرب أيام الصيف الحار في الطائف فتستفيد ثقيف منهم؟ أما لو دخلوا في دين الإسلام، فلن يزورهم أحد، وسيحرمون من الأرباح الطائلة، فكيف تقبل ثقيف دعوته؟ كيف يقبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المساواة بين العبيد والسادة، وإزالة تجارة الربا؟ فأهل الطائف عرفوا أن دين الإسلام سيضرب مصالحهم المادية، لذلك ردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا عنيفا، فردوا عليه ردا منكرا.

وسخروا منه واستهزءوا به، قال له أحدهم هو يمرط أي أمزق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك وقال الآخر، أما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله “وحاشا رسول الله من الكذب وهو الصادق الأمين” ما ينبغي لي أن أكلمك، ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لَم يترك دعوته، بل مكث عشرة أيام في الطائف يتردد على منازلهم، يدعوهم إلى دين التوحيد، ولكن دون فائدة، فلما رأى منهم الاستهزاء والسب والشتم والطرد، طلب منهم أن لا تخبروا أهل مكة بمجيئه إليهم، ولكن أهل الطائف تخلوا عن أبسط مظاهر الخُلق العربي، وهو إكرام الضيف الغريب، إذ كانوا أشد خسة ودناءة مما توقعه النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولقد أرسلوا رسولهم إلى مكة ليخبر طواغيتها وشياطينها بما حصل لمحمد في الطائف، ولم يكتفوا بهذا، بل تخلوا عن أخلاق العرب كلها، فسلطوا عليه الصبيان والعبيد والسفهاء، ووقفوا صفين، وأخذوا يرمونه بالحجارة، ويسخرون منه، ويسبونه بأقبح السباب والشتائم، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع قدما، ولا يضعها إلا على الحجارة، وسالت الدماء من قدميه الشريفتين، وشج رأس الصحابى الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنه، الذي حاول الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألجأ السفهاء والصبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان لعتبة وشيبة ابنى ربيعة، ولم يجد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعدما جلس.

والدماء تنزف من قدميه الشريفتين الكريمتين المباركتين، إلاَّ أن يتوجه إلى ربه، وراح النبى الكريم صلى الله عليه وسلم يتذكر أصحابه الذين يجلدون ويُعذبون في مكة، وتذكر زوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، وتذكر عمه أبا طالب، فلم يجد بُدا من أن يرفع هذه الشكوى إلى الله عز وجل، فقد رفع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله عز وجل قائلا ” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمرى؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة مِن أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك” فلم يطلب النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من الله أن ينتقم منهم، وأن يسيل دماءهم، وألا يبقى على أرض الطائف من الكافرين ديارا، بل لم نسمع كلمة ذم واحدة على الذين طاردوه وسبوه وأدموا قدميه بالحجارة، بل كان كل همه صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظة هو ألا يكون قد غضب الله عليه، فلما رآه ابنا ربيعه عتبه وشيبه، وكانا من ألد أعداء الإسلام، وممن مشوا إلى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم، من أشراف قريش يسألونه أن يكفه عنهم، أو يُخلى بينه وبينهم، حتى يهلك أحد الفريقين، ولكن في هذا المشهد انقلبت الغريزة الوحشية إلى الشفقة والتراحم، فدعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له عداس.

فقالا له خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عداس ثم أقبل به، حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده، قال “باسم الله”، ثم أكل فنظر عداس في وجهه، ثم قال والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟” قال نصرانى، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قرية الرجل الصالح يونس بن متى” فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي” فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه، قال، يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه، أما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي، قالا له ويحك يا عداس، لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه، ولكن يشهد عداس للنبى صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ويدخل في دين الإسلام، وهكذا فإن في إسلام عداس مواساة للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فلئن آذاه قومه، فهذا من العراق من نينوى يقبل يديه ورجليه، ويشهد له بالرسالة ويُسلم، وكأنه يعتذر عن إيذاء أولئك السفهاء، فبعد الصد والإعراض من قومه، يأتي من يؤمن به صلى الله عليه وسلم من تلك البلاد البعيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى