نفحات إيمانية ومع عبد الرحمن بن الأشعث الكندي “جزء 5”

نفحات إيمانية ومع عبد الرحمن بن الأشعث الكندي “جزء 5”
بقلم/ محمــــد الدكــــــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع عبد الرحمن بن الأشعث الكندي، وقد ظهر للحجاج بعد نظر المهلب وصدق رأيه حين هزمه ابن الأشعث فقال، لله أبوه، أي صاحب حرب هو، وقد أشار علينا بالرأي ولكن لم نقبل، ولقد امتلأ ابن الأشعث غرورا بعد هزيمة الحجاج، وظهرت مطامعه الجريئة واضحة في قوله وهو يخطب أصحابه، أما الحجاج فليس بشيء، ولكنا نريد غزو عبد الملك، وقال أبو الزبير الهمداني، وكان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة، واقتتلوا في المحرم من سنة اثنين وثمانين من الهجره ، فتزاحفوا ذات يوم، فاشتد قتالهم، ثم إن أهل العراق هزموهم حتى انتهوا إلى الحجاج وحتى قاتلوهم على خنادقهم.
وانهزمت عامة قريش وثقيف، ثم إنهم تزاحفوا في المحرم في آخره في اليوم الذي هزم فيه أهل العراق أهل الشام فنكصت ميمنتهم وميسرتهم واضطربت رماحهم وتقوّض صفهم حتى دنوا منا، وهكذا كانت فتنة ابن الأشعث كان ابتداؤها في اثنين وثمانين من الهجرة، وكان سبب هذه الفتنة أن ابن الأشعث كان الحجاج يبغضه، وكان هو يفهم ذلك، ويضمر له السوء وزوال الملك عنه، فلما أمره الحجاج على ذلك الجيش وأمره بدخول بلاد رتبيل ملك الترك، فمضى وصنع ما قدمناه من أخذه بعض بلاد الترك، ثم رأى لأصحابه أن يقيموا حتى يتقووا إلى العام المقبل، فكتب إلى الحجاج بذلك، فكتب إليه الحجاج يستهجن رأيه في ذلك.
ويستضعف عقله، ويقرعه بالجبن والنكول عن الحرب، ويأمره حتما بدخول بلاد رتبيل، ثم أردف ذلك بكتاب ثان ثم ثالث، فلما تواردت كتب الحجاج إليه يحثه على التوغل في بلاد رتبيل، جمع من معه، وقام فيهم فأعلمهم بما كان رأى من الرأي في ذلك، وبما كتب إليه الحجاج من الأمر بمعاجلة رتبيل ، فثار إليه الناس، وقالوا، لا، بل نأبى على عدو الله الحجاج، ولا نسمع له ولا نطيع، وقد قيل أن أباه كان أول من تكلم في ذلك، وكان شاعرا خطيبا، وكان مما قال إن مثل الحجاج في هذا الرأي ومثلنا كما قال الأول لأخيه، احمل عبدك على الفرس، فإن هلك هلك، وإن نجا فلك، إنكم إن ظفرتم كان ذلك زيادة في سلطانه.
وإن هلكتم كنتم الأعداء البغضاء، ثم قال اخلعوا عدو الله الحجاج ، ولم يذكر خلع عبد الملك، وبايعوا لأميركم عبد الرحمن بن الأشعث، فإني أشهدكم أني أول خالع للحجاج، فقال الناس من كل جانب خلعنا عدو الله، ووثبوا إلى عبد الرحمن بن الأشعث فبايعوه عوضا عن الحجاج ، ولم يذكروا خلع عبد الملك بن مروان، وبعث ابن الأشعث إلى رتبيل، فصالحه على أنه إن ظفر بالحجاج فلا خراج على رتبيل أبدا، ثم سار ابن الأشعث بالجنود الذين معه مقبلا من سجستان إلى الحجاج، ليقاتله ويأخذ منه العراق ثم لما توسطوا الطريق قالوا، إن خلعنا للحجاج خلع لابن مروان، فخلعوهما جميعا وجددوا البيعة لابن الأشعث.
فبايعهم على كتاب الله وسنة رسوله، وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين، فإذا قالوا نعم، بايعهم، فلما بلغ الحجاج ما صنعوا من خلعه وخلع ابن مروان، وكتب إلى عبد الملك يعلمه بذلك، ويستعجله في بعثه الجنود إليه، وجاء الحجاج حتى نزل البصرة، وبلغ المهلب خبر ابن الأشعث، وكتب إليه يدعوه إلى ذلك فأبى عليه، وبعث بكتابه إلى الحجاج، وكتب المهلب إلى ابن الأشعث يقول له إنك يا ابن الأشعث قد وضعت رجلك في ركاب طويل، أبق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الله الله، انظر لنفسك فلا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها، والبيعة فلا تنكثها، فإن قلت أخاف الناس على نفسي، فالله أحق أن تخافه من الناس.