الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله المتمم لمكارم الأخلاق، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أما بعد لقد أوصي الإسلام بتربية الأبناء تربية إسلامية حسنة وحتي نقوم بذلك فإنه ينبغي علينا أن نعلم أبناءنا مجاهدة النفس، حيث يعد جهاد النفس أقوى وأشد من مجاهدة العدو، ومما يعين عليه أن يحدد الإنسان هدفه، فهل يريد الدنيا الفانية التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة؟ أم رضا الله والجنة؟ وإذا كان يريد الجنة فعليه أن يعلم أنها سلعة الله الغاليه، ومن أجلها يجب أن يقدم الغالي والنفيس من الأوقات والأموال والجهد ويتنازل عن الهوى والشهوات، ويستعين بالله على نفسه الأمارة بالسوء، ليطوّعها ويجعل منها نفسا لوامة، وذلك بتربية الضمير لديه.
ومساعدته على الصبر على الحق والترفع عن الدنايا منذ نعومة أظفاره، كما ينبغي أن نحبب إليه الجميل من الأفعال ونبغّض إليه القبيح منها، فإذا عرف هدفه وهو الفوز برضا الله تعالي وأحبه عاش له وبه وأراح والديه وأسرته ومجتمعه وإستراح، وكما ينبغي علينا أن نعلم أبناءنا دوام الإستغفار وكما يجب أن نعلمهم أن للإستغفار فوائد أخرى غير ستر الذنوب والخطايا ومحوها، وهي التي جاءت في الآيات الكريمة من سورة نوح ” فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا” وكما ينبغي علينا أن نعلم أبناءنا تجديد التوبة، حيث يجب أن يذكّر الوالدين أبناءهم على الدوام بأن اليأس من رحمة الله وعفوه ذنب في حد ذاته لأنه يعطل أسماء كثيرة من أسماء الله الحسنى مثل العفو والغفور والغفار والغافر والتواب.
كما يذكرونهم بأن اليأس مدخل شيطاني يدخل به إبليس على قلب المؤمن ليعود به إلى المعصية ثم الكفر والعياذ بالله، رويدا رويدا، وينبغي أن يقولوا لهم دائما ” لا تيأسوا أبدا من رحمة الله “إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم” فالحذر من إرتكاب المعاصي واجب، ولكن إن غلبت على الإنسان نفسه فعليه بالمسارعة بالتوبة، ولا ييأس من كثرة ذنوبه، فباب التوبة مفتوح للإنسان مادام لم يغرغر، أي يدخل في مراحل الموت، وأن يلزم باب الكريم ولا يبتعد عنه فينفرد به الشيطان وأعوانه، كما يجب أن يسمع الأولاد من والديهم قول الإمام ابن القيم لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طردت، ولا تقطع الإعتذار ولو رددت، فإذا فُتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين، وقل يارب مسكين فتصدق علي فإنما الصدقات للفقراء والمساكين.
وكما ينبغي أن يسمعهما يتضرعان إلى الله تعالي بمثل هذه الأدعية ” اللهم إن عظمت ذنوبي فأنت أعظم وإن كبر تفريطي فأنت أكبر وإن دام بخلي فأنت أجود” ودعاء ” اللهم إن مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي” وكما ينبغي علينا أن نعلم أبناءنا عبادة الدعاء، وهي التوجه لله سبحانه دون غيره، بطلب ما يحتاجه المؤمن وهي الإعتراف العملي بالإفتقار إلى الواحد القهار، فهل هناك أحد يعيش بدون مشاكل تؤرقه؟ وهل هناك أحد ليس لديه آمال يحلم بتحقيقها؟ وهل هناك أحد يستطيع أن يستغنى عن ربه؟ أم هل هناك أحد لم يرتكب ذنبا ويخشى أن يؤاخذه لله عليه؟ وإذا علمنا أن الجنة لن يدخلها أحد حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمله، إلا أن تتداركه رحمة ربه، فهل هناك أحد يستطيع أن يستغنى عن رحمة ربه ؟
وهل هناك أعز من الذل بين يديه والتمسح بأعتابه حتى يرضى؟ وهل هناك أذل ممن يرجون عباد الله فإن شاءوا أعطوهم وإن شاءوا منعوهم؟ وإن أعطوهم منّوا عليهم، وإن أعطوهم مرة أو أو إثنان فهل يعطونهم الثالثة؟ فهل يتعلق الغريق بغريق آخر؟ وهل يرجو الفقير فقير مثله؟ وهل يلوذ ضعيف بضعيف مثله؟ وينبغي أن نعلمهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من لم يسأل الله