صوت الهاتف يخترق أذن (رامي) مشتتًا حبل أفكاره وهو يحدق في سقف غرفته، يلتقط الهاتف بكسل إنه اتصال من (رأفت) صديقه يجيب المكالمة وإذ بالآخر لا يعطيه فرصة للحديث ويقول بنبرة صوت عالية تغطي صوت الضوضاء التي حوله:
-أين انت؟
-في المنزل…ما الأمر؟
-اسمع الشباب كلهم متواجدون هنا احمد وعلي وخالد تعالي عند القهوة المعتادة نريد أن نكمل الشمل.
يلاحظ (رامي) أصوات الضحك والمزاح وأيضا صوت قرقرة مياه هادئة تسللت بخفة لينتبه إليها… إنه خالد يشرب الشيشة، يبتسم ويقول:
-لكنها بعيدة لماذا لم تذهبو عند عم جمال.
– كفاك كسلا وحرّك فخذيك قليلًا وأنت تعرف أن عمك جمال نصاب كبير في مشاريبه.
يصدر رامي ضحكة مكتومة ويردف:
– حسنا في الطريق.
ينزل من بيته والمفترض أن القهوة من عنده قرابة الثلث ساعة تقريبا سيرًا علي الأقدام، بعيدة نوعًا ما لكنه يوافق (رأفت) علي عدم المجئ لعم جمال مرة أخري.
وصل عند ناصية شارعه ووقف ينتظر أول عربة تقابله كي تزيح عنه همّ المشي، الكسل عنده مبدأ لا يتجزأ.
وصلت أخيرًا العربة الموعودة وصعد إليها قائلا للسائق علي وجهته، جلس يحدق في هاتفه بملل ويحاول عدم التركيز مع ذلك الصداع الذي حوله من طفل يبكي علي رجل أمه أو الذي يكاد صوته يُذبح مطالبًا السائق بما تبقّي له من مال وإذ فجأة يصدر صوت انفجار عالِ جدًا يُسكِت كل من في العربة، وجلست العربة تتحرك يمينا ويسارا ويحاول السائق إيقافها وإحكام قبضته علي عجلة القيادة حتي قام بإيقافها بسلام دون أن يتأذى أحد.
أوقف العربة ونزل منها يتفقد ما حدث ولم تمر ثوانٍ حتي يقول لهم بصوته الغليظ ونبرته العالية:
– هيا يا حضرات لن أوصل أحدًا اليوم انفجر اطار السيارة وليس معي بديل لها فليأخذ كل شخص أجرته وتذهبو.
يا يوم سعدي. قالها (رامي) في ذهنه وهو ينزل من العربة متأففا وخائفا قليلا من الذي حدث منذ قليل، الآن إما أن ينتظر عربة أخري أو يكمل الطريق سيرًا.
قرر صديقنا أخذ القرار الصعب عليه ويكمل سيرًا علي قدميه، لا يطيق انتظار عربة أخري ولا يريد أن يركب الآن بعدما حدث. بعد ثوانٍ قليلة رن (رأفت) علي (رامي) مرة أخري وقال:
– ما كل هذا التأخير؟
– كدت أتعرض لحادث وأنا في العربة لكن مرّت علي خير الحمد لله
– دائمًا منحوس، أين أنت الآن تحديدًا؟.
– يعتبر في نفس مكاني لم اقترب بعد.
– ننتظرك.
أغلق الخط في تأفف وكان يريد أن يعود أدارجه لكن هو يحب الجلوس معهم ولا تتكرر هذه اللحظات كثيرًا خطر علي باله أن يسلك طريقًا مختصرًا يقتصر عليه المسافة.
انعطف يمينًا واتجه نحو شارع صغير يتمشاه قليلا ثم ينعطف يسارا ويتجاوز الكوبري ويصل إلي القهوة.
عند وصوله إلي منتصف الشارع وجد قطيعا من الكلاب أمامه تقريبا عددهم يتجاوز العشرون كلبًا يحدقون فيه، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلا والناس نيام ولا يوجد أحد في الشارع.
انحبست أنفاس (رامي) والعرق بدأ يغمر جسده وبدأ ببطء شديد يعود للوراء كي لا يزعج أسياد الشارع ذاك وإذ يأتي صوت النباح ويتزايد صوته وعدده وجلسوا يرقضون نحو (رامي) بسرعة شديدة.
طبعا (رامي) لم يشعر بنفسه ويطلق عنان ساقيه بالفرار والهرب من أولاد الكلب هؤلاء، جلس يلهث ويجري بلا توقف ومازالت أصوات الكلاب وراءه لا يتركونه وجلس يسب ويشتم في (رأفت) ومن معه ويسب نفسه لموافقته علي النزول.
انعطف يمينا ويسارا وشمالا وجنوبا ومازالت الكلاب تلاحقه بدون ملل حتي اقترب كلب منهم وعض رجل رامي حيث قام بقطع جزء من بنطاله وجعل رامي يصرخ خوفًا رغم أنه لم يعض شيئا من جسده فقد كان البنطال هو كبش الفداء.
تعثر (رامي) وسقط علي الأرض غارقًا في بركة وحل غطت ملابسه كلها قام منها بسرعة والتفت وراءه لم يجد ذلك القطيع الهائج ويري من بعيد الكلب اللعين الذي قطع بنطاله وفي فمه قطعة منه ويمشي يهز ذيله بكل انتصار مبتعدًا عنه.
جلس (رامي) يحاول أن يصلح هيئته وينظف الوحل علي قدر استطاعته لكن مازالت ملابسه متسخة وذلك الشق الخلفي من بنطاله الذي أزعجه جدًا.
قال في نفسه أنه لا جدوي من العودة الآن للمنزل وقد اقترب وهم في انتظاره، إنه متأكد أنه إذا رأوه بهذا المنظر ستنقلب القهوة رأسا علي عقب من ضحكهم وسخريتهم عليه لكن ليس ذلك بالمهم.
أخيرا وصل البطل إلي وجهته يعرف أنه تأخر أكثر من أربعون دقيقة منهم عشرون كان يحاول تنظيف نفسه لكنه وصل، يرمق بعينيه باحثا عنهم (رأفت) والبقية لم يجدهم في أي طاولة.
أخرج هاتفه في غضب متصلا علي رأفت:
-أين أنتم؟؟
-لقد تأخرت حسبناك عدت إلي دارك لذا قررنا العودة نحن أيضًا معذرة يا صاحبي( تتعوض).
صمت (رامي) ولم يعلّق علي ما قاله (رأفت) فأغلق الخط في وجهه وجلس عند أقرب طاولة أمامه وجاء صاحب القهوة يسأله:
-ماذا أحضر لك؟
وضع (رامي) ساقًا فوق ساق وفخذه من الخلف بارز من الناحية المقطوعة من بنطاله وملابسه المرسومة بوحل الأرض يقول للرجل: