الحمد لله رب العالمين فاطر الأرض والسموات، عالم الأسرار والخفيات، المطلع على الضمائر والنيات، أحاط بكل شيء علما، ووسع كل شيء رحمة وحلما، وقهر كل مخلوق عزة وحكما، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما، لا تدركه الأبصار، ولا تغيره الدهور والأعصار، ولا تتوهمه الظنون والأفكار، وكل شيء عنده بمقدار، أتقن كل ما صنعه وأحكمه، وأحصى كل شيء وقدّره، وخلق الإنسان وعلّمه، فلك المحامد والثناء جميعه والشكر من قلبي ومن وجداني ولك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوانحي ولساني، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف الحق وإلتزمه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صدع بالحق وأسمعه، فاللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
وسائر من نصره وكرمه، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد إن للعمل في الإسلام مكانة عالية ومنزلة رفيعة، به ينال الأجر والثواب، وهو عبادة عظيمة لله تعالي، وإمتثال لأمره، فعن طريقه تقوم الحياة، وتعمر الديار، وتزدهر الأوطان، ويحدث الإستقرار، فأمر به الله سبحانه وتعالى فقال ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ” وإعتبر الإسلام العمل نوعا من أنواع الجهاد في سبيل الله تعالي، فقد رأى بعض الصحابة شابا قويا يسرع إلى عمله، فقالوا لو كان هذا في سبيل الله، فرد عليهم النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم بقوله “لا تقولوا هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله،
وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” واعلموا يرحمكم الله إن قضية الإصلاح قضية مصيرية، يترتب عليها إحتفاظ الأمة بمسارها الإسلامي ولن ينصلح حال الأمة إلا إذا قام كل فرد بدوره من إصلاح نفسه ومجتمعه، والإعتصام بحبل الله تعالى والبعد عن مواطن الخلاف والزلل، وأن المعركة الكبرى وهى معركة البناء والتنمية هي البؤرة العميقة التي يجب أن تتوجه إليها الجهود والطاقات، وهي الميدان الفسيح الذي ستتسابق فيه الخيول الأصيلة التي تجسد مواهب أبناء الوطن وقدراتهم، فإن الإنشغال بالجزئي عن الكلى هو سبب التعثر في كبير الأمور وصغيرها، وليس من الحكمة في شيء أن يترك القائد بل والإنسان ميدانه الفسيح الذي ينتظر منه تحقيق الأهداف لينشغل بما لا طائل تحته من الإهتمامات الشكلية والجزئية والفرعية.
على حساب الأصول والمنظور الشامل للحياة، واعلموا جيدا ان الأمة الإسلامية ليست حدثا عارضا في حياة الإنسانية، وليست نبتا بلا قرار، بل إنها فيها التوحيد شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، إنها وفيها الحق ليست زبدا طافيا يذهب جفاء، وإنما هي معدن أصيل ينفع الناس، فيمكث في الأرض، إنها فيها القرآن وبيانه لن ينتهي مدها، ولن يطفأ نورها، ولن يخمد ذكرها بفضل من الله تعالي ورحمته، وإنها أمة الرسل والأنبياء جميعا، تآخت فطرتها مع فطرة الكون الذي أسلم كل من فيه لله عز وجل طوعا وكرها، وإنها ذات أصل ثابت وفرع ممتد في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، غيرها من أهل الباطل له في الزمن ساعة، وهي بفضل الله إلى قيام الساعة.
فتأتى إليها الريح، فتميل بها ولا تقتلعها، وتهب عليها العواصف فتسقط من ورقها ما صار هشيما، وتظل تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولئن مرت عليها فترات فتور أو خمول يراها أهل الكفر مواتا، ويرون حماها بواحا فإن لها من مقوماتها ما يبعث الحركة فيها، ويجدد الحياة.