فاصبر كما صبر أولو العزم بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الثلاثاء الموافق 10 ديسمبر 2024 الحمد لله ذي العزّة والعظمة والجلال هو الذي نزّل الأمانة في قلوب من شاء من الرجال، بعد أن أبت حملها السموات والأرض والجبال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر المؤمنين بالصدق والأمانة، وزجرهم عن الكذب والخيانة، ووعد من حفظ الأمانة ورعاها أجرا كريما، وأعد للخائنين عذابا مهينا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأُمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أما بعد لقد أمرنا الله عز وجل بتأدية الأمانة إلي أهلها وإعلموا أن كل من دخل مع غيره في عقد مباح من بيع أو شراء أو تأجير ونحو ذلك، فليعلم أنه دخل مع صاحبه في عهد وأمانة، فليحذر الغش فيه والخديعة والخيانة، بل عليه أن يفي بالمطلوب، وأن يبيّن العيوب، مع طيب النفس وسلامة الصدر.
وإعطاء الحق من غير نقص ولا بخس ولا قهر، وليحذر المماطلة بتعليل أو تمليل فإن مطل الغني ظلم، يحل عرضه وعقوبته، ويعرّضه لشؤم عمله ويجرّ عليه حوبته، والمجالس عامة بالأمانات إلا مجلسا يخطط فيه للإجرام من سفك دم حرام، أو إنتهاك عرض حرام، أو أكل مال حرام، أو كيد لأهل الإسلام، فتلك مجالس آثمة، يستحق أهلها العقوبة الصارمة، أما المجالس العادية، فهي محترمة لا يجوز أن يفشى مما يقال فيها كلمة، فإذا حدّث الرجل في المجلس فالتفت فهي أمانة، فلا يجوز إفشاء سره، وفضح أمره، وأخص المجالس بحفظ السر، وكتمان الأمر، ما يكون بين الرجل وأهله، حين يفضي إليها وتفضي إليه، ولقد كانت أوامر الله سبحانه وتعالي لحبيبة محمد صلي الله عليه وسلم بالصبر كثيرة في القرآن وما ذاك إلا لأنها دعوة شاملة تواجه أمم الأرض كلها.
فخصومها كثيرون وحاجة إمام الدعوة إلى الصبر أعظم لقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم صنوف الأذى البدني والنفسي والمالي والإجتماعي والدعائي وغيره، وقاوم ذلك كله بالصبر الذي أمره به الله في عشرين موضعا في القرآن كلها إبان العهد المكي لأنه عهد البلاء والفتنة والضعف وتسلط الكافر، وكان مما قاله الله له “تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين” وكما قال تعالي ” واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون” وكما قال تعالي ” واصبر لحكم ربك، فإنك بأعيننا، وسبح بحمد ربك حين تقوم” فأمر بالصبر لحكمه وهو سبحانه لا يحكم إلا بالحق والعدل، وقال تعالي له “فإنك بأعيننا” فصيغة الجمع لزيادة التثبيت والتأنيس.
وقال الله تعالي لنبيه موسى عليه السلام “ولتصنع على عيني” ومن كان بعين الله ومرأى منه فلن يضيع ولن يغلب، ثم أمر بالتسبيح كما أمره به في جملة آيات على أعقاب أمره بالصبر، ولعل السر فيه أن التسبيح يعطى الإنسان شحنة روحية تحلو بها مرارة الصبر، ويحمل التسبيح بحمد الله تعالي معنيين جليلين لابد أن يرعاهما من ابتلي وهما تنزيه الله تعالى أن يفعل عبثا، بل كل فعله موافق للحكمة التامة، فبلاؤه لحكمةن وأن له تعالى في كل محنة منحة وفي كل بلية نعماء ينبغي أن تذكر فتشكر وتحمد وهذا هو سر اقتران التسبيح بالحمد هنا وفي قوله “ربك” هو إيذان بكمال التربية ومزيد العناية، والصبر من حيث الجملة واجب، ويدل علي ذلك هو أمر الله به في غير ما آية حيث قال تعالى “استعينوا بالصبر والصلاة “
وكما قال تعالي “اصبروا وصابروا” وكذلك نهيه عن ضده كما في قوله تعالي ” فلا تولوهم الأدبار” وقوله تعالي ” ولا تبطلوا أعمالكم” وقوله تعالي ” ولا تهنوا ولا تحزنوا” وقوله تعالي ” فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم”.